توقيت القاهرة المحلي 05:04:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الجماعة الشيعية ولبنان الكبير

  مصر اليوم -

الجماعة الشيعية ولبنان الكبير

بقلم - مصطفى فحص

قبل أكثر من مائة عام ولد لبنان الكبير ولادته المبكرة التي كانت عسيرة، واكتمل على يد صيغة 1943 التي رعت نموه الطبيعي وغير الطبيعي إلى هذه اللحظة، لدرجة أن من تولى أمره، أي طبقته السياسية شاخت والصيغة لم تشخ.

كانت ولم تزل الصيغة اللبنانية بكل ما لها وعليها المعادلة الآمنة لدخول الجماعات اللبنانية في وطنهم الكبير، بعدما اقتنعوا جميعاً بأنه وطنهم النهائي. ونجح سيد بكركي في إقناع هذه الجماعات بالعيش المشترك ضمن جغرافيا واسعة بتعددها وليس بمساحتها. وتجلى ذلك برفضه أن يكون بطريركاً على لبنان الصغير المعزول عن جواره القريب، أو بعيداً عن عمقه الطبيعي، وأن حدود 1920 هي جغرافيا تميزه ولا تفصله عن محيطه الكبير.

بعد قرن وأكثر، فإن لبنان الصغير الذي رفضه البطريرك الحويك سنة 1919 يحن إليه البعض الآن ممن يرون أن الانفصال وإغراءات الفيدرالية تحمي خصوصياتهم، كما يُعاني هذا الفتى الكبير سابقاً وحاضراً ممن يأخذهم الحنين دائماً إلى الاندماج القُطري أو القومي أو اليساري، وصولاً إلى مشاريع الإسلام السياسي بشقّيه، لكن جميعهم ممن أرادوه صغيراً أو ممن رأوه أصغر من طموحاتهم ذهبوا إلى أقصى اليمين وأقصى اليسار، ثم عادوا أكثر قناعة بأنه امتياز يميزهم بتميزه.

في لحظة تجلٍّ أدرك المرجع في بلاد الشام السيد محسن الأمين خصوصية لبنان الكبير بأنه التقاء جبلين (جبل لبنان وجبل عامل)، ورأت فيه نخب طائفته أنه فرصتهم التاريخية لإنصافهم بعد مظلومية تاريخية على يد أربع سلطانيات أموية وعباسية ومملوكية وعثمانية، كان خلالها شيعة هذا الجبل على هامش السلطة أو الدولة وممنوعين منها، حتى سنة 1920 أتيح لهذه الطائفة الانخراط الرسمي في شؤون الدولة وتجربة الحكم، وتوسع دورها مع تصاعد نموها، حتى فاضت قوتها كما فاضت قوة بعض ممن سبقوها في حكم هذا البلد، لكنهم عجزوا أن يتحكموا بصيغته.

قبل سنة 1948 كانت قرى ومدن جبل عامل همزة الوصل ما بين مدن لبنان الكبير ومدن فلسطين التاريخية، ومحطة تجارية تربط بينهما، ولكن منذ قيام الكيان العبري تحولت هذه المدن إلى قرى حدودية، فأغلقت خانات المسافرين والتجار من صيدا إلى بنت جبيل التي أدار أهلها وجههم نحو العاصمة بيروت، وشكلت نكبة فلسطين دافعاً أكبر لقرار اندماجهم الوطني. كما شكلت الاعتداءات والمجازر الإسرائيلية المبكرة دافعاً لأهل الجنوب اللبناني أن يقوموا مقام المدافع عن حدود بلدهم، ولكن خط الحدود تحول إلى خط مواجهة مفتوحة بعدما اختير لبنان من دون غيره من دول الطوق ليكون منطلقاً لعمل الكفاح المسلح فتعرض الجنوب لحروب واجتياحات وخسائر بالأرواح والثروات.

لذلك، فإن موقع ودور الجماعة الشيعية حاسم في جغرافيا لبنان الكبيرة، كما أن موقعها الحدودي حوّلهم إلى لاعب أساسي، وهم لا يحتاجون إلى فحص دم من البعض حتى يؤكدوا انتماءهم، فهم الذين رسخوا في فكرهم مفهوم لبنان نصاً وفعلاً، لذلك لا بد من تذكير بمحطتين؛ الأولى وثيقة الوفاق الوطني التي صدرت عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سنة 1977 والتي وصفت بصيغة 77 الشيعية وعنوانها «لبنان وطن نهائي لجميع بنيه»، أما الثانية فوثيقة الثوابت الإسلامية الصادرة عن قمة عرمون الإسلامية (سنّة وشيعة ودروز) سنة 1983 التي جاء فيها أن لبنان وطن نهائي لكل أبنائه عربي الهوية والانتماء، وهي المعادلة التي وردت في نص وثيقة الوفاق الوطني «اتفاق الطائف» حرفياً، والذي كان ولم يزل أفضل ما يمكن أن تحصل عليه الجماعات اللبنانية بعيداً عن الأحجام والأعداد.

كانت الصيغة ولم تزل عامل توازن في علاقات الجماعات اللبنانية، وضامناً لوحدة الكيان، تقف بوجه تجزئته أو توسعته أو استقواء طرف على آخر، ومن دون مجاملة لأحد لقد مررنا بتجارب عديدة حاول خلالها البعض الاستقواء على الصيغة أو الاستئثار بها، كان فائض القوة يغري هذه الأطراف بالغلبة إلى أن اكتشفوا أن الغلبة في لبنان مستحيلة، ولعل الفطنة تعلم بعض الذين تفيض فوائضهم بأن يتعلموا الدرس ممن سبقهم ويدركوا مبكراً أن الصيغة أقوى من المشاريع أو المحاور الكبرى أو الصغرى، حتى يتجنبوا الوقوع بالمحظور كما وقع من سبقهم، وأن يستخدموا عقلهم لا عضلاتهم. من الاستقلال إلى انتفاضة «17 تشرين» مروراً بالصيغة والطائف، محطات تؤكد ضرورة اندماج الجماعة الشيعية في أقوامهم وأوطانهم، وألا يميزوا أنفسهم بأي تمييز خاص ومشاريع خاصة كما أوصاهم إمامهم الشيخ شمس الدين، لذلك نحن محكومون بالتسوية، تسوية تاريخية بين جميع اللبنانيين لا مساومة مصلحية ما بين الحاكمين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجماعة الشيعية ولبنان الكبير الجماعة الشيعية ولبنان الكبير



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon