توقيت القاهرة المحلي 16:02:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيران... النظام والثورة والمرأة

  مصر اليوم -

إيران النظام والثورة والمرأة

بقلم - مصطفى فحص

هي ليست احتجاجات مطلبية كما جرى في السنوات الخمس السابقة، وليست رد فعل سياسياً كما كانت انتفاضة الحركة الخضراء سنة 2009، فعندما تتجرأ امرأة مسنة في مدينة رشت أن تخلع غطاء رأسها وتخرج إلى الشارع تهتف بالموت لرأس النظام فإن هذه الاحتجاجات تشكل منعطفاً ثقافياً واجتماعياً هو الأخطر في تأثيره على طبيعة النظام الإيراني منذ تأسيسه، وتؤثر مباشرةً على استعداداته للمرحلة الانتقالية ما بعد المرشد، فقد نكأ موت الشابة الكردية مهسا أميني جروحاً كانت مضمَّدة داخل المجتمع الإيراني، منذ أن سرق الجناح العقائدي المتشدد ثورة الشعب الإيراني على نظام آل بهلوي، وحوّلها إلى نظام إسلامي عقائدي، يمارس استبداداً دينياً هو من أخطر أنواع الاستبداد وأشدها، ومارس تشدداً تجاه المرأة الإيرانية التي فقدت كثيراً من حقوقها وكبّلت حريتها.
الأخطر في قضية مهسا أميني التي حرمتها سياسة التمييز القومي من اسمها الكردي، أنها تمثل نموذجاً لنوعين من المأساة؛ الأولى عامة، فهي حالها حال أغلب نساء إيران اللاتي يحاول النظام مجدداً إعادتهن إلى مرحلة البدايات -أي عقد الثمانينات من القرن الماضي- بعدما استعاد طبيعته الأولى منذ فرض إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية، ويُعِد عدّته لاختيار مرشد يناسب طبيعة النظام الحالية، وهذا ما يهدد المرأة الإيرانية بأنها ستخسر بعض الامتيازات المتواضعة التي حصلت عليها زمن الرئيسين محمد خاتمي وحسن روحاني وحتى في عهد محمود أحمدي نجاد، حيث يحاول النظام في معركة استعادة شرعيته العقائدية إعادة فرض نموذج شبيه بـ«طالبان» الأفغانية، في بلد لديه قابليات حداثوية ومعرفية تجعل من إيران بلداً عصرياً قادراً على الدمج ما بين متطلبات العصر وهويته الروحية.
أما الثانية فإن مأساة مهسا أو جينا أميني الخاصة أنها كردية، في بلد مركزي يمارس سياسات تمييز عنصرية ودينية ضد مكوناته الفرعية، خصوصاً الكرد والعرب، الذين يشعرون بأنهم مواطنون من درجة حتى أقل من الثانية، ولا يحق لهم ما يحق لامرأة من القوميات الكبرى، لكن صدمة النظام أن مأساة جينا أميني التي تُوفيت نتيجة للتعذيب الذي تعرضت له، قد تحولت إلى مأساة وطنية، وانتقلت كالنار في الهشيم وأشعلت انتفاضة شعبية في أغلب المدن الإيرانية، انتفاضة ضد ارتداء الحجاب خطورتها بالنسبة للنظام أنها تمس مباشرةً أحد أهم ضوابطه العقائدية.
عود على بدء، فإن هذه الاحتجاجات قد أخذت منذ اليوم الأول طابعاً اجتماعياً وسياسياً مختلفاً عمّا سبقها من احتجاجات كانت في أغلبها مطلبية ترفع بعض الشعارات السياسية ويتم حصرها في مناطقها، حيث كان النظام يستغل العامل القومي أو المناطقي في عملية تطويقها، لكن هذه الاحتجاجات قد تكون الأقرب إلى الاحتجاجات الأولى التي أسست للثورة الإيرانية عندما تجاوز الإيرانيون حينها حساسياتهم المناطقية والدينية والإثنية كافة، وتوحدوا تحت شعار إسقاط النظام السابق. وهذا ما سيصعّب على النظام الحالي القدرة على احتوائها وسيضطر إلى استخدام العنف المفرط من أجل إخمادها، خصوصاً أنها تأتي في مرحلة يُعيد فيها ترتيب بيته الداخلي ويستعد لإطلاق المرحلة الثالثة من النظام الثوري، الذي بات فيه النظام يمثل أقلية عقائدية - عسكرية تتحكم في أغلبية متعددة رافضة لمنطقه الاجتماعي والعقائدي ولتوجهاته السياسية، ولا يمكن السيطرة عليها إلا بالقمع، خصوصاً أنها تمثل جيلاً شاباً وُلد بعد مرحلة المرشد المؤسس، وأعلن معارضته العلنية للنظام في مرحلة المرشد الحالي، ولا يمكن له التعايش بسهولة مع المرشد الثالث خصوصاً إن بات المنصب وراثياً.
وعليه، على الأغلب سينجح النظام في قمع انتفاضة الحجاب، لكنه سيمارس عنفاً مفرطاً ويطبق تشدداً سيؤدي حتماً إلى موجات عنف جديدة، إلا أنه هذه المرة لن يخرج منها سالماً لا اجتماعياً ولا عقائدياً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران النظام والثورة والمرأة إيران النظام والثورة والمرأة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية
  مصر اليوم - ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon