توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيران... النظام والثورة والمرأة

  مصر اليوم -

إيران النظام والثورة والمرأة

بقلم - مصطفى فحص

هي ليست احتجاجات مطلبية كما جرى في السنوات الخمس السابقة، وليست رد فعل سياسياً كما كانت انتفاضة الحركة الخضراء سنة 2009، فعندما تتجرأ امرأة مسنة في مدينة رشت أن تخلع غطاء رأسها وتخرج إلى الشارع تهتف بالموت لرأس النظام فإن هذه الاحتجاجات تشكل منعطفاً ثقافياً واجتماعياً هو الأخطر في تأثيره على طبيعة النظام الإيراني منذ تأسيسه، وتؤثر مباشرةً على استعداداته للمرحلة الانتقالية ما بعد المرشد، فقد نكأ موت الشابة الكردية مهسا أميني جروحاً كانت مضمَّدة داخل المجتمع الإيراني، منذ أن سرق الجناح العقائدي المتشدد ثورة الشعب الإيراني على نظام آل بهلوي، وحوّلها إلى نظام إسلامي عقائدي، يمارس استبداداً دينياً هو من أخطر أنواع الاستبداد وأشدها، ومارس تشدداً تجاه المرأة الإيرانية التي فقدت كثيراً من حقوقها وكبّلت حريتها.
الأخطر في قضية مهسا أميني التي حرمتها سياسة التمييز القومي من اسمها الكردي، أنها تمثل نموذجاً لنوعين من المأساة؛ الأولى عامة، فهي حالها حال أغلب نساء إيران اللاتي يحاول النظام مجدداً إعادتهن إلى مرحلة البدايات -أي عقد الثمانينات من القرن الماضي- بعدما استعاد طبيعته الأولى منذ فرض إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية، ويُعِد عدّته لاختيار مرشد يناسب طبيعة النظام الحالية، وهذا ما يهدد المرأة الإيرانية بأنها ستخسر بعض الامتيازات المتواضعة التي حصلت عليها زمن الرئيسين محمد خاتمي وحسن روحاني وحتى في عهد محمود أحمدي نجاد، حيث يحاول النظام في معركة استعادة شرعيته العقائدية إعادة فرض نموذج شبيه بـ«طالبان» الأفغانية، في بلد لديه قابليات حداثوية ومعرفية تجعل من إيران بلداً عصرياً قادراً على الدمج ما بين متطلبات العصر وهويته الروحية.
أما الثانية فإن مأساة مهسا أو جينا أميني الخاصة أنها كردية، في بلد مركزي يمارس سياسات تمييز عنصرية ودينية ضد مكوناته الفرعية، خصوصاً الكرد والعرب، الذين يشعرون بأنهم مواطنون من درجة حتى أقل من الثانية، ولا يحق لهم ما يحق لامرأة من القوميات الكبرى، لكن صدمة النظام أن مأساة جينا أميني التي تُوفيت نتيجة للتعذيب الذي تعرضت له، قد تحولت إلى مأساة وطنية، وانتقلت كالنار في الهشيم وأشعلت انتفاضة شعبية في أغلب المدن الإيرانية، انتفاضة ضد ارتداء الحجاب خطورتها بالنسبة للنظام أنها تمس مباشرةً أحد أهم ضوابطه العقائدية.
عود على بدء، فإن هذه الاحتجاجات قد أخذت منذ اليوم الأول طابعاً اجتماعياً وسياسياً مختلفاً عمّا سبقها من احتجاجات كانت في أغلبها مطلبية ترفع بعض الشعارات السياسية ويتم حصرها في مناطقها، حيث كان النظام يستغل العامل القومي أو المناطقي في عملية تطويقها، لكن هذه الاحتجاجات قد تكون الأقرب إلى الاحتجاجات الأولى التي أسست للثورة الإيرانية عندما تجاوز الإيرانيون حينها حساسياتهم المناطقية والدينية والإثنية كافة، وتوحدوا تحت شعار إسقاط النظام السابق. وهذا ما سيصعّب على النظام الحالي القدرة على احتوائها وسيضطر إلى استخدام العنف المفرط من أجل إخمادها، خصوصاً أنها تأتي في مرحلة يُعيد فيها ترتيب بيته الداخلي ويستعد لإطلاق المرحلة الثالثة من النظام الثوري، الذي بات فيه النظام يمثل أقلية عقائدية - عسكرية تتحكم في أغلبية متعددة رافضة لمنطقه الاجتماعي والعقائدي ولتوجهاته السياسية، ولا يمكن السيطرة عليها إلا بالقمع، خصوصاً أنها تمثل جيلاً شاباً وُلد بعد مرحلة المرشد المؤسس، وأعلن معارضته العلنية للنظام في مرحلة المرشد الحالي، ولا يمكن له التعايش بسهولة مع المرشد الثالث خصوصاً إن بات المنصب وراثياً.
وعليه، على الأغلب سينجح النظام في قمع انتفاضة الحجاب، لكنه سيمارس عنفاً مفرطاً ويطبق تشدداً سيؤدي حتماً إلى موجات عنف جديدة، إلا أنه هذه المرة لن يخرج منها سالماً لا اجتماعياً ولا عقائدياً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران النظام والثورة والمرأة إيران النظام والثورة والمرأة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon