توقيت القاهرة المحلي 15:31:12 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الكاظمي والحوار والكتلة الحرجة

  مصر اليوم -

الكاظمي والحوار والكتلة الحرجة

بقلم - مصطفى فحص

وضع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الطبقة السياسية أمام مسؤولياتها التاريخية، بعدما حوّل دعوته للحوار إلى مبادرة عملية؛ مبادرة يمكن أن تفتح ثغرة في جدار الانسداد السياسي الذي تعاني منه العملية السياسية منذ الانتخابات التشريعية التي جرت شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن هذه الثغرة المتواضعة، تحتاج إلى جهد جماعي من أجل أن تتوسع وتتحول إلى نافذة حقيقية تُمكّن المجتمعين من تحقيق الأهداف العامة التي تم تداولها على طاولة الحوار. ولكن من الواضح أن غياب التيار الصدري عن الاجتماع لم يكن مناورة، بل لم يزل متمسكاً بسقوفه العالية التي تتعدى النتائج المتواضعة للجلسة الأولى وتوصياتها، لذلك يبدو أن المشاورات الجانبية التي يمكن إجراؤها مع الصدر ستُصدم بمطالبه الصعبة، وتعيد الكرة إلى ملعب خصومه السياسيين بعدما فصل بينهم وبين رئيس الوزراء.
فعلياً، الجلسة الأولى خرجت بنقطة واحدة فقط يمكن أن تؤسس لخريطة طريق قد تساعد على الخروج من عنق الزجاجة إذا اتفق الجميع على إمكانية أن تكون الانتخابات التشريعية المبكرة مخرجاً للأزمة، وقد أكد البيان الختامي الذي صدر بعد الاجتماع، الأربعاء الفائت، هذا المخرج في نص واضح وصريح يقول إن «الاحتكام مرة جديدة إلى صناديق الاقتراع من خلال انتخابات مبكرة ليس حدثاً استثنائياً في تاريخ التجارب الديمقراطية عندما تصل الأزمات السياسية إلى طرق مسدودة».
قرار الانتخابات المبكرة لا يخلو من شيطان التفاصيل التي قد يستغرق حلها وقتاً طويلاً غير متوفر، إذا لم تقدم الطبقة السياسية تنازلات بناءة تبدأ من الاتفاق على قانون انتخابات جديد يعكس حقيقة التمثيل، ويأخذ في الحسبان التحولات السياسية والاجتماعية التي جرت في العراق منذ «انتفاضة تشرين»، ولا يدفع الشريحة الكبرى الصامتة إلى المقاطعة مجدداً، وهذا يحتاج إلى ضمانات تقدمها الطبقة السياسية وتطبقها الحكومة من خلال هيئة انتخابات مستقلة فعلياً تقف على مسافة واحدة من الجميع وتتعهد بإجراء انتخابات نزيهة.
من هنا يقف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أمام تحديات جديدة، فمن موقعه المُسيّر للحوار والضامن لتطبيق ما سيتم الاتفاق عليه، وفي تقريب وجهات النظر ما بين أكثر الأطراف تباعداً وتشدداً، مُطالب أكثر من أي وقت مضى بالحفاظ على حياد الدولة ومؤسساتها، وفي توسيع دائرة المشاركة في الحوار حتى لا يكون مقتصراً على قوى الأمر الواقع. ففي مرحلة معقدة يمر بها العراق تهدد فيها عقده الوطني بالتفكك تصبح الحاجة ملحة إلى تشكيل كتلة حرجة من فاعلين سياسيين ومفكرين واقتصاديين تغييريين مستقلين، يمثلون الشريحة الوطنية الكبرى ممن تم إقصاؤهم وتهميشهم طوال 19 عاماً، وإفساح المجال أمامهم للمشاركة في الحياة السياسية كفاعلين أساسيين، يمارسون دور الرقيب على مرحلة تحولات كبرى في الدولة والمجتمع، والناظم لسلامة الانتقال إلى مرحلة جديدة.
في السنوات الـ19 السابقة أخذت الطبقة السياسية العراقية أسوأ ما في النموذج اللبناني (نظام المحاصصة)، ولكن أمام الكاظمي فرصة الاستعانة بتجربة شخصيات لبنانية عرفها عن قرب منهم الراحلان هاني فحص وسمير فرنجية، اللذان أسسا لحظة انتهاء الحرب الأهلية كتلة حرجة عرفت بالمؤتمر الدائم للحوار، ونجحا مع نخب وطنية في تحقيق مصالحة أهلية بين الجماعات اللبنانية وبين الجماعات والنخب الحزبية التي قامت بمراجعة حقيقية لتجربة الحرب الأهلية، وقد حققا نجاحاً نسبياً رغم مضايقات أجهزة الاحتلال السوري الأمنية وأمراء الحرب الأهلية.
وعليه، في الحالة العراقية المستعصية، فإن الاقتتال مكلف حتى على من يراهن على الغلبة، ففي طبيعة اجتماعية معقدة ومركبة، يتداخل فيها القومي بالديني والديني بالمذهبي والمذهبي بالعقائدي والعقائدي بالمناطقي والمناطقي بالمكونات العشائرية والحزبية وبالتيارات والفصائل، يصبح الاحتكام إلى السلاح أشبه بمقتلة جماعية لن تتوقف تداعياتها قبل أن يتداعى ما تبقى من دولة، وهدر ما توفر من الثروة، ولا فرق فيها ما بين الغالب والمغلوب إلا بعدد الضحايا، وهذا ما سيؤدي إلى أمرين؛ إما أن ينتهي العراق الذي نعرفه منذ أكثر من قرن، وإما أن تنتهي العملية السياسية وديمقراطيتها الموجهة بيد من يبادر إلى إنهاء الفوضى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكاظمي والحوار والكتلة الحرجة الكاظمي والحوار والكتلة الحرجة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 11:41 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ميتسوبيشي تعلن طرح "إي إس إكس" 2020 أيلول المقبل

GMT 07:09 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

معرض بريطاني فوتغرافي للهاربين من نار النازية

GMT 23:36 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

بورصة تونس تقفل على ارتفاع بنسبة 41ر0 %

GMT 03:43 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

رنا سماحة تستعد لطرح أحدث أغانيها "مكسورة"

GMT 22:32 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

المخرج كريم اسماعيل يوقع عقد إخراج فيلم "الشاطر"

GMT 22:29 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ابنة هيفا وهبي وحفيدتها يشعلان مواقع التواصل بمقطع فيديو

GMT 20:12 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

أجييري يؤكد أن علاقته مع محمد صلاح "استثنائية"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon