بقلم - مصطفى فحص
غموض وارتباك في مواقف النواب الأربعة لحاكم المصرف المركزي اللبناني بعد آخر اجتماع عقدوه مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، ولم يخرجوا بقرار واضح حول بقائهم في مناصبهم أو استقالتهم جميعاً أو استقالة اثنين منهم إذا تعثر تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي، وبما أن الحاكم الحالي رياض سلامة المنتهية مدته أعلن نهاية خدمته، فإن الفراغ في المنصب هو الأرجح، وعلى نواب الحاكم تصريف الأعمال، وهذا ما يضع المسؤولية الكبرى على النائب الأول وسيم منصوري، الذي كان أول من لوّح بالاستقالة.
حسب وسائل إعلام لبنانية رصينة، فإن منصوري لم يأتِ من عالم المال والمصارف أكاديمياً ولا مهنياً، بل إنه حقوقي تدرج في عدة مناصب في مجاله الأكاديمي، وتم تعيينه في منصب الحاكم ضمن نظام المحاصصة الطائفية الذي وزع وظائف الدولة من الحاجب إلى الوزير بين القوى الطائفية التي تعتمد في أغلب الأحيان اختيار ممثليها وفقاً لمعايير طائفية، وليست مهنية، شرطها الولاء، وليس المعرفة، وهذا كان أحد أبرز أسباب تراجع الكفاءة في السلطة التنفيذية، وفي إدارات الدولة ومؤسساتها كافة.
بعيداً عن خلفية منصوري المهنية والأكاديمية، فإن تلويحه المُبكر بالاستقالة من منصبه ليس إلا تهرباً من تحمل مسؤولية السياسة النقدية في أصعب ظروف يمر بها الاقتصاد الوطني، وفي أعمق أزمة مالية تضرب العملة الوطنية، حيث إن قيمة الليرة مهددة بمزيد من الانخفاض من جهة، ومن جهة أخرى فإن من رشحه لهذا المنصب، أي الثنائي الحاكم والمتحكم بالطائفة الشيعية، (حزب الله وحركة أمل) لا يريدان أن يكون وكيل «تفليسة» الدولة المحتملة.
فعلياً، حتى الآن لم ينجح الثنائي في التملص من المسؤولية، فإذا فشل مجلس الوزراء في اختيار حاكم جديد للمركزي. وهذا المرجح. فإن «الثنائي الشيعي» سيحمل على عاتقه إدارة السياسة النقدية في بلد مهدد مصرفه المركزي بالإفلاس، وهذا ما سيضاعف مسؤوليته عن الأزمة الاقتصادية وكيفية معالجتها، خصوصاً أن الثنائي كان داعماً وشريكاً لسلامة، وحامياً له في كل السياسات النقدية التي قام بها منذ تسلمه منصبه، والتي أثارت حفيظة أغلب اللبنانيين الذين خسروا ودائعهم في المصارف اللبنانية، وهذا ما سيزيد القلق العام من السياسات المقبلة للمصرف المركزي، بسبب أن منصوري والثنائي ليست لديهما الخبرة الكافية في إدارة السياسة النقدية التي قد لا تختلف عن إدارة الثنائي للسياسة المالية عبر وزير للمالية حاصل أيضاً على إجازة في الحقوق، لديه تصريح خالد في ذاكرة اللبنانيين عشية انهيار الاقتصاد والعملة بأن «الليرة بألف خير».
في خصوصية الموقف الطائفي، فإن محاولة الثنائي (حركة أمل وحزب الله) التهرب من المسؤولية النقدية تفتح نقاشاً حول كيفية تعاطيه مع إدارات الدولة والمعايير التي يعتمد عليها في خياراته، فمن حقوقي نائباً لحاكم المصرف المركزي إلى مسؤول حزبي وزيراً للمالية، يمارس الثنائي سياسة توظيف لا تعتمد المهنية، تسببت في إبعاد كفاءات طائفته الموالية له أو تلك التي تدور في فلكه، نتيجة لجوئه إلى اختيار من يناسبه سياسياً وتنظيمياً، وليس ما يناسب الإدارة مهنياً، أو استبعادهم إذا نجحوا في تحقيق مساحة مستقلة في مواقعهم كما جرى مع اللواء عباس إبراهيم، وهذا لا يعني أن ممثلي القوى الطائفية الأخرى يلجأون إلى اختيار مستقلين، إلا أنهم في بعض الإدارات يختارون اختصاصيين من داخل تنظيماتهم أو من الموالين لهم.
وعليه، فإنَّ أداء الثنائي يدفع إلى إعادة مراجعة التمثيل الشيعي في الدولة ومقاربته بين مرحلتين، الأولى مرحلة الإقطاع السياسي الشيعي المتهم من قبل اليسار والإسلام السياسي الشيعي بسوء التمثيل واحتكاره من العائلات الإقطاعية وترويج الإشاعات ضده (الكذبة الشهيرة «كامل عم يتعلم» التي يعرفها أهل الجنوب)، مروراً بالمارونية السياسية واختياراتها المهنية نسبياً في إدارات الدولة زمن الرئيسين كميل شمعون وفؤاد شهاب، التي تحتاج أيضاً إلى نقد ومراجعة محايدة ومهنية، وأما المرحلة الثانية فحكم الثنائي بعد نهاية الحرب الأهلية.