توقيت القاهرة المحلي 08:50:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أوروبا وتحديات الحرب الأوكرانية

  مصر اليوم -

أوروبا وتحديات الحرب الأوكرانية

بقلم: الدكتور ناصيف حتي

كان الشعور السائد في أوروبا أنه مع نهاية الحرب الباردة وانتهاء الانقسام الذي شطر القارة القديمة إلى شرق وغرب وكان جدار برلين رمز ذلك الانشطار، فإن الغرب المنتصر سيمد نفوذه إلى حدود روسيا. شجع على ذلك بالطبع توسع الحلف الأطلسي ليضم دولاً كثيرة (14 دولة) كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي أو من مجال نفوذه المطلق. كما توسع الاتحاد الأوروبي عبر سياسة المراحل ليضم عدداً من دول أوروبا الشرقية سابقاً إلى عضويته. لكن أولى رسائل الصدام مع روسيا العائدة إلى ما تعدّه تاريخياً دور القوة الكبرى أياً كانت طبيعة السلطة الحاكمة في موسكو أو العنوان التي تعطيه لهذا الدور في محيطها الاستراتيجي المباشر، حرب روسيا الخاطفة في صيف 2008 في جورجيا. كانت هذه الحرب بداية لسياسة روسية تجاه «الغرب الاستراتيجي» عنوانها «كفى». فروسيا عائدة للقيام بدور القوة الكبرى ولكل ما يستدعيه هذا الدور. وتكررت الأزمات ولعبة عرض العضلات العسكرية على المسرح الاستراتيجي الأوروبي وفي شرقه بشكل خاص.
وزير الاقتصاد الفرنسي لخّص التداعيات الاقتصادية في موجتها الأولى للحرب الأوكرانية بالتحذير من حالة الركود التضخمي الذي يصيب بلده والدول الأوروبية ولو بدرجات مختلفة. وأشار إلى أن أزمة الطاقة الحالية «شبيهة في حدتها بالصدمة النفطية في عام 1973». السؤال المطروح في أوروبا اليوم في خضمّ سياسة العقوبات ضد روسيا قوامه: هل يجب أن تستمر مستقبلاً في الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية؟ وأياً كان الجواب الذي لم يُحسم بعد نهائياً فإن البحث جارٍ في الولايات المتحدة وكذلك في أوروبا الغربية لتوفير بدائل عن الطاقة الروسية، خصوصاً الغاز، من الخليج العربي ومن قطر بشكل أساسي، أحد أكبر منتجي الغاز الطبيعي على الصعيد العالمي، وكذلك من شرق المتوسط لاحقاً مع مصادر أخرى في العالم، فيما تُنبه ألمانيا إلى أنها لا تستطيع الاستغناء عن واردات النفط من روسيا رغم العقوبات.
أوروبا «تساعد» عسكرياً من خلال تخصيص مساعدة مالية لأوكرانيا لشراء السلاح بشكل خاص إلى جانب مساعدات عسكرية من دول أوروبية. الحلف الأطلسي لا يرغب في التورط المباشر في الحرب الأوكرانية. ولكن في المقابل فإن الموقف الأوروبي، كما يظهر عبر موقف حلف شمال الأطلسي، يتمثل في رفض فرض حظر جوي في مسرح القتال لأنه سيؤدي حكماً إلى مواجهة مع روسيا والدخول في تصعيد خطير وربما حرب مباشرة مع الأخيرة.
إلى جانب استمرار الاتصالات الفرنسية والألمانية بشكل خاص مع روسيا لوقف التصعيد والبحث عن الحل، تستمر أوروبا في توجيه رسائل التحذير إلى موسكو أياً كانت بالطبع نتيجتها في التأثير في الموقف الروسي لوقف الحرب. والحرب تعد في هذا الخصوص من جانب روسيا وسيلة للتفاوض على الأرض ليس مع أوكرانيا فحسب بل تحديداً مع «الغرب» لخدمة أهداف حيوية تتعلق بالأمن القومي لروسيا.
إحدى الرسائل الأوروبية تمثلت في القمة الأوروبية غير الرسمية التي انعقدت في فرساي في 10 و11 مارس (آذار)، والتي أكدت ضرورة زيادة القدرات الدفاعية الأوروبية والتي تندرج في الطرح الذي عبّرت عنه دائماً فرنسا من دون أن تنجح في تحويله إلى واقع، وهو بناء أوروبا القوة الدفاعية. كما دعت القمة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي في أوروبا وبناء قاعدة اقتصادية صلبة. دعوات من هذا النوع ليست بجديدة في أوروبا، ولكنها في ظل الحرب الأوكرانية تكتسب أهمية خاصة، إذا أضفنا أن دولاً أوروبية حيادية مثل السويد وكذلك فنلندا ذات النظام الحيادي الخاص، صارت تصدر من مسؤوليها وقياداتها أصوات تدعو للانضمام إلى الحلف الأطلسي أو إلى توفير دعم واسع وكثيف عسكري وغيره لأوكرانيا.
المثير للاهتمام احتمال ازدياد النقاط الساخنة في أوروبا والتي قد تلحق بالنموذج الأوكراني بشكل أو بآخر. الأقلية الصربية في جمهورية البوسنة والهرسك رفعت مجدداً خطاب الانفصال والالتحاق بصربيا في مرحلة لاحقة من دون شك. الشيء ذاته يحصل مع منطقة أوسيتيا الجنوبية في جورجيا التي تعترف بها موسكو كدولة مستقلة، باتجاه الانفصال الفعلي عن جورجيا. مشاريع حروب أخرى تحت عناوين مختلفة في أوروبا الشرقية تصب في خلق مزيد من الصراعات المفتوحة على الحروب والتدخلات الخارجية في المجال السوفياتي سابقاً، وذلك تحت عناوين مختلفة.
صار من شبه المؤكد أن الحل السياسي في أوكرانيا يستدعي إعلان حياد أوكرانيا على الطريقة الفنلندية التي كانت قائمة خلال الحرب الباردة أو ربما أبعد من ذلك حسب النموذج السويدي. روسيا أيضاً تريد استعادة رسمية لشبه جزيرة القرم التي تسيطر عليها فعلياً، نظراً لأهميتها الاستراتيجية العسكرية ولاستعادة ما تعد «هدية» من الزعيم السوفياتي خروشوف الذي نقلها من روسيا السوفياتية إلى أوكرانيا السوفياتية عام 1954 في إطار ترتيب البيت الداخلي حينذاك...
إعادة ترتيب أو تقاسم مناطق النفوذ في شرق أوروبا بين روسيا والغرب الأطلسي - الأميركي - الأوروبي سيحكم الأجندة الدولية مع تداعيات ذلك على «المسرح الاستراتيجي الأوروبي» بأشكال مختلفة إلى أن يأتي الحل القائم على تفاهم سياسي بين اللاعبين الكبار. لكن بانتظار الحل ستطال تداعيات الحرب والأزمات التي نتجت عنها العالمَ أجمع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا وتحديات الحرب الأوكرانية أوروبا وتحديات الحرب الأوكرانية



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon