توقيت القاهرة المحلي 10:11:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحكومةُ الإسرائيلية “تُهَيِّئُ” لانتفاضةٍ فلسطينيّة

  مصر اليوم -

الحكومةُ الإسرائيلية “تُهَيِّئُ” لانتفاضةٍ فلسطينيّة

بقلم :ناصيف حتّي*

الإنتخاباتُ الخامسة التي جرت في إسرائيل في السنواتِ الأربع الأخيرة، دلّت على أنَّ هناكَ أزمةَ نظامٍ عميقة ناتجة عن التغيّراتِ المُجتَمَعية والسياسية والعقائدية والحزبيّة القويّة التي يعيشها المجتمعُ الإسرائيلي. ونُسارِعُ إلى القول أنَّ لاعلاقة لهذه الأزمة بالموقف من كيفيّة تسوية أو إنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. الإختلافُ في المواقف بين القوى الإسرائيلية، كما شهد تاريخ ديبلوماسية محاولات تسوية هذا الصراع منذ مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991 وعبر المحطّات التفاوضية المُختلفة وما انتجته، كان يتعلّقُ بالأسلوب وببعض التنازلات الثانوية التي لا تُعالِجُ جذورَ الصراع ومُسبّباته الفعلية. كما إنّها لا تقبل بالقرارات الدولية التى تدعو إلى التسوية الشاملة والتي تحظى على الأقل بالإجماع الرسمي، ولو لم يكن الفعلي، على الصعيد الدولي.

الحكومة الجديدة، التي شكّلها أخيرًا بنيامين نتنياهو، تتحكّم بها بالفعل القوى التي تُمثّلُ اليمين الديني الاكثر تشدّدًا وتطرّفًا في رؤيته واستراتيجيته وسلوكياته القائمة على عدم الاعتراف كلّيًّا بالآخر الفلسطيني، سواء تعلّقَ الأمرُ بهويّته الوطنية أو بحقوقه من وطنية وفردية تحت الاحتلال.

ويُمثّلُ كلٌّ من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، زعيم حزب “االقوة اليهودية”، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، زعيم “الحزب الصهيوني الديني”، الثقل الرئيسي او قوة الدفع الأساسية في تحديد السياسات  الحكومية الجديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد قام أخيرًا بن غفير، وبالتحديد في الثالث من الشهر الجاري، باقتحام وتدنيس حرمة المسجد الأقصى، وهو ما يُذكّرُ بما سبق وقام به أرييل شارون في العام 2000 من تدنيسٍ لهذا المكان المُقدّس لدى المسلمين، والذي أدّى حينذاك إلى انطلاق شرارة الانتفاضة الثانية. وللتذكير أيضًا، إنَّ الظروف اليوم أكثر انسدادًا على الصعيد السياسي وبؤسًا على الصعيدَين الإنساني والوطني بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني .

إذا كان هذا الأمرُ يندرجُ في إجراءات الدفن الرسمي لحلِّ الدولتَين، فإنَّ هناكَ خطواتٍ أُخرى اتخذتها الحكومة الجديدة في بداية تسلّم مهامها وكانت بمثابة رسالة في الاتجاه ذاته. من هذه الخطوات تجميد خطط البناء للفلسطينيين في بعض مناطق الأراضي المُحتلّة، ووضع اليد ومصادرة حوالي ٣٧،٧ مليون دولار تعود الى السلطة الفلسطينية، وهي تُمثّل الرسوم الجمركية المُقتَطعة من قبل إسرائيل، لمصلحة السلطة، وفق ما هو معمول به حسب الاتفاقيات الناظمة للعلاقات بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية. وهذا الاقتطاع أعلنت عنه إسرائيل كعقابٍ للسلطة بسسب “إعتداءاتٍ قامَ بها فلسطينيون على إسرائيليين”، ودفعت المبلغ المُقتَطَع ل”المُعتَدى عليهم”. أضف أنَّ إسرائيل قامت مع بداية تسلّمِ الحكومة الجديدة مسؤولياتها بتوفير وتعزيز كافة الظروف المشجّعة والمسهّلة لتكثيف الاستيطان والربط الجغرافي بين المستوطنات، الأمر الذي يزيد من عملية مُحاصرة وخنق بعض القرى الفلسطينية ودفع أهلها للمغادرة.

ويبقى الهدف الرئيس بالطبع، ولو يتمُّ تنفيذه بشكل تدرّجي وغير مباشر أحيانًا، طرد الفلسطينيين وتهجيرهم إلى خارج أراضيهم. إنها حربٌ عبر الجغرافيا والديموغرافيا أخذت الحكومة الجديدة تعمل بها وتُبلوِرُ القرارات المُسَهّلة لذلك منذ الأيام الأولى لتولّيها السلطة، كاشفةً عن استراتيجية الضمّ التدريجي للضفة الغربية وتغيير بنيتها الديموغرافية. وتستفيد في هذا الصدد من السكوت الدولي المُنشَغِل بصراعاتٍ أُخرى ضاغطة واهمّها أوكرانيا وعودة المواجهة الدولية في أوروبا وعبر بوابة تايوان وجوارها في المُحيطَين الهادىء والهندي: المواجهة الأولى غربية-روسية، والثانية غربية-صينية. أضف إلى ذلك أنَّ ما يُشجّعُ على هذه السياسة الجديدة الناشطة والحاملة لأهداف التغيير البنيوي الكلي في الأراضي الفلسطينية المُحتلّة بغية تحقيق قيام دولة إسرائيل الكبرى، غياب أيّ وضعٍ فلسطيني وعربي رادعٍ لهذه السياسة. أهدافٌ تعكسُ “التديين” الكلّي للنزاع، الأمرُ الذي يعني إلغاء كافة مُرتكزات وأسس الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني على أرض الواقع لأنها تُشكّلُ نقيضًا وتهديدًا للأهداف التي يحملها هذا “التديين” الكلّي للنزاع من طرف السياسة الإسرائيلية.

فهل يَعِي المعنيون بالأمن والاستقرار في المنطقة أنّ ما يحصل من دينامية سياسية إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة سيؤدي حُكمًا إلى حصول انتفاضةٍ ثالثة. إنتفاضةٌ في ظلِّ هشاشة الأوضاع في الإقليم من جهة والخطاب الديني الإسرائيلي الإلغائي من جهةٍ أُخرى ستتغذى عليها بدون شك كل الراديكاليات في المنطقة. وستخلق  بؤرةً جديدة للتوتر والنزاع الناشط في المنطقة تُغذّي ايضًا، وتتغذّى على النزاعات المختلفة والمنتشرة في الشرق الأوسط؟

سؤالٌ سيجيب عنه المستقبل القريب إذا لم تتبلور مبادرةٌ تقومُ بها أساسًا قوى عربية ومعها قوى دولية لوقف هذا التصعيد الخطير، وإعادة إحياء، ولو بشكل تدريجي، عملية التسوية السياسية، المعروفة أُسُسها وقواعدها، من أجلِ تحقيقِ السلام الشامل والعادل والدائم. هدفٌ دونه الكثير من المصاعب والعوائق، لكن عدم المضي في سياسةٍ تهدفُ إلى تحقيقه سيُغذّي حالة الفوضى والتوتر في المنطقة  كما أشرنا.

الدكتور ناصيف يوسف حتّي هو أكاديمي، ديبلوماسي متقاعد ووزير خارجية لبنان السابق. كان سابقًا المُتَحدِّث الرسمي باسم جامعة الدول العربيةولاحقًا رئيس بعثتها في فرنسا والفاتيكان وإيطاليا، والمندوب المراقب الدائم لها لدى منظمة اليونسكو*

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحكومةُ الإسرائيلية “تُهَيِّئُ” لانتفاضةٍ فلسطينيّة الحكومةُ الإسرائيلية “تُهَيِّئُ” لانتفاضةٍ فلسطينيّة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon