توقيت القاهرة المحلي 05:30:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القارة الأفريقية: مسرح للتنافس الدولي المتزايد

  مصر اليوم -

القارة الأفريقية مسرح للتنافس الدولي المتزايد

بقلم: ناصيف حتي

تحتل القارة الأفريقية أهمية متزايدة في لعبة التنافس الدولي لبناء النفوذ بين القوى الكبرى، وقد ازدادت لعبة التنافس بين القوى الكبرى، في شقيها الجيوسياسي والجيواقتصادي وهما بالطبع مترابطان، وذلك بشكل خاص منذ العام الماضي بعد عودة العالم إلى الحياة الطبيعية مع نهاية «زمن الكوفيد». وجود المواد الخام والغاز والنفط وكذلك الأسواق الكبيرة والعمالة الرخيصة كلها عناصر زادت من حدة التنافس على المسرح الاستراتيجي الأفريقي.

وجاءت حرب أوكرانيا، وهي تشكل مواجهة غربية روسية، لتعطي قوة دفع كبيرة لهذه المواجهة المتعددة الأشكال والأطراف. وفي سياق لعبة التنافس الدولي، برز تراجع للدور الفرنسي التاريخي في منطقة الساحل. وكانت مالي وبوركينا فاسو قد طلبتا من فرنسا سحب قواتها من البلدين، في منطقة ذات أهمية استراتيجية تاريخية لفرنسا. وقد واكب ذلك تعزيز الدور العسكري المباشر لروسيا وعبر قوات مجموعة «فاغنر» في تلك المنطقة الاستراتيجية. كما يظهر التنافس الروسي الغربي على أشده في ليبيا، وتستفيد موسكو في لعبة التنافس هذه على شاطئ البحر الأبيض المتوسط وفي إحدى البوابات الرئيسية لأفريقيا، من وجود خلافات غربية فيما يتعلق بالتعامل مع الملف الليبي. وفي سياق التنافس ذاته، أبدت واشنطن قلقها وانزعاجها من التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة التي قامت بها روسيا والصين الشعبية مع جنوب أفريقيا، القوة الأفريقية الكبرى وذات التأثير الواسع في الإقليم والعلاقات التاريخية مع واشنطن.
وتبدو الصين الشعبية عبر الدبلوماسية الاقتصادية بشكل خاص القوة الدولية الأكثر نشاطاً وتقدماً في زمن قصير نسبياً، مقارنة مع القوى الأخرى في أفريقيا. فالصين الشعبية هي الشريك التجاري الأول للقارة الأفريقية، وهي في الوقت ذاته أكبر مصدر للاستثمار الخارجي المباشر في القارة السمراء. ولا تخضع الاستراتيجية الاقتصادية والتجارية الصينية كما هي الأميركية لشروط أو قيود سياسية وضريبية، فالسياسة الصينية أيضاً أكثر براغماتية من الأميركية في هذا المجال. فلا تربط كما هي حال واشنطن مرات كثيرة بين طبيعة النظام السياسي القائم والتعاون الاقتصادي معه. فالصين الشعبية نجحت في تقديم نموذج مختلف عن اقتصاد السوق الغربية فيما يتعلق بمسألة التنمية أيضاً والعلاقة مع الطبيعة السياسية للنظام المعني.
وللتذكير فإن الصين الشعبية لم تأتِ إلى أفريقيا كقوة اقتصادية وتجارية فقط، بل أقامت منذ عام 2017 أول قاعدة عسكرية لها في أفريقيا، وقد أقيمت القاعدة في جيبوتي الصديقة للغرب، وذات الموقع الاستراتيجي المهم في القرن الأفريقي ومنطقة الالتقاء بين خليج عدن والبحر الأحمر... والمثير للاهتمام أن فرنسا ذات العلاقات التاريخية في القارة الأفريقية، خاصة في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل كما أشرنا، أعلنت مؤخراً إعادة تعريف سياستها الأفريقية بعيداً عما عرف بـ«فرنسا أفريقيا» في الماضي للدلالة على خصوصية العلاقات التاريخية منذ الاستعمار.
وفي هذا الإطار، أشار الرئيس الفرنسي مؤخراً خلال جولته الأفريقية إلى أن عصر «فرنسا أفريقيا» قد انتهى، وأن ذلك ليس انسحاباً أو فك ارتباط مع أفريقيا خاصة في شقها الفرنكوفوني، ولكن «التكيف» أو إعادة التموضع مع أفريقيا جديدة أو أخرى ذات أولويات وأجندة مختلفة عن الماضي الذي طبع أو حكم العلاقات الفرنسية الأفريقية. فرنسا اليوم تحاول الدخول من البوابة الاقتصادية ذات الأهمية الكبرى للدول الأفريقية وترفع عنوان بلورة «استراتيجية للسيادة الغذائية».
خطاب جديد يعكس أولويات مختلفة تلاقي الأولويات الأفريقية لإعادة صياغة العلاقات على أسس جديدة وأكثر صلابة، دون أن يعني أن فرنسا أو القوى الأخرى أنها في صدد التخلي عن أهدافها الاستراتيجية السياسية دبلوماسية القمم تحمل أكثر من رسالة ومؤشر على استراتيجيات القوى الكبرى في القارة الأفريقية. وللتذكير ففي القمة الصينية الأفريقية التي عقدت في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2021، التزمت بكين حزمة مالية، نحو 40 مليار دولار، للمساعدة مختلفة الأوجه والأشكال لأفريقيا. كما توصلت القمة التي جمعت منظمتي الاتحاد الأوروبي والوحدة الأفريقية في فبراير (شباط) 2022 إلى بلورة أسس وأهداف لشراكة جديدة أكثر شمولية عما كان قائماً. وجاءت قمة «تيكاد» التي ضمت اليابان والدول الأفريقية والتي التزمت خلالها اليابان بتوفير مساعدات في إطار الشراكة مع أفريقيا بحدود الـ30 مليار دولار للدول الأفريقية، في سياق هذا التوجه التنافسي الجديد في أفريقيا بين القوى الدولية.
وأخيراً جاءت القمة الأميركية الأفريقية في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي لتعطي دفعة جديدة للتعاون الأميركي الأفريقي، حيث خصصت واشنطن مبلغاً بحدود الـ55 مليار دولار لدعم الأولويات في التعاون المشترك بين الولايات المتحدة وأفريقيا في العقود المقبلة. من جهة أخرى، تبدو السياسات الأفريقية أكثر مرونة وواقعية وبعيدة عن الاصطفافات التقليدية القديمة فيما يتعلق بالتنافس المتصاعد بين القوى الكبرى في القارة الأفريقية. فلقد اتجهت معظم الدول الأفريقية إلى بناء علاقات تتسم بالتنوع وعدم الانجذاب إلى اصطفافات جامدة، عقائدية أو استراتيجية كما كانت الحال في الماضي إلى جانب هذه القوة الكبرى أو تلك، بل إلى تعاون تحدد المصلحة المشتركة مع هذه القوة الكبرى أو تلك حجمه أو درجته؛ إنها «لعبة الأمم»، ولكن بأشكال وصيغ مختلفة تتكيف مع مصالح ومتطلبات الدول والمجتمعات في «المسرح الاستراتيجي» المعني.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القارة الأفريقية مسرح للتنافس الدولي المتزايد القارة الأفريقية مسرح للتنافس الدولي المتزايد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon