توقيت القاهرة المحلي 11:34:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العراق الجديد: عقدان من الزمن بعد الحرب الأميركية

  مصر اليوم -

العراق الجديد عقدان من الزمن بعد الحرب الأميركية

بقلم - الدكتور ناصيف حتي

عقدان من الزمن مرّا على الغزو الأميركي للعراق. جاء الغزو بعد عام ونصف عام من العمليات الإرهابية - 11 سبتمبر (أيلول) 2001 - التي طالت برج التجارة العالمي في نيويورك وأهدافاً أخرى، والتي هزت الولايات المتحدة الأميركية والعالم أجمع، وبعد الحرب الأميركية ضد الإرهاب وإسقاط نظام طالبان في أفغانستان، وبداية الغرق الأميركي في المستنقع الأفغاني، جاءت الحرب ضد العراق تحت عنوان اجتثاث الإرهاب باعتبار أن بغداد - حسب الموقف الأميركي حينذاك - كانت تحتضن الإرهابيين، وكذلك تمتلك مخزوناً من أسلحة الدمار الشامل التي يفترض التخلص منها. عناوين ثبت لاحقاً أنها لم تقم أو تستند إلى معطيات فعلية، بل جاءت لتبرر الغزو الأميركي للعراق. أضيف إليها بالطبع عنوان نشر الديمقراطية في المنطقة بسبب ما سمي «العجز في الحرية» في الشرق الأوسط، العنوان الذي حمله المحافظون الجدد بزعامة الرئيس جورج بوش الابن واليمين الأميركي المتطرف حامل لواء التغيير في العالم والشرق الأوسط بشكل خاص. ويذكر موريس غوردو مونتاني الذي كان المستشار الدبلوماسي للرئيس شيراك في تلك الفترة بالتحذير الذي وجهه الرئيس الفرنسي للرئيس بوش خلال لقائهما على هامش قمة منظمة «حلف شمال الأطلسي» في براغ في (نوفمبر) تشرين الثاني 2002 من تداعيات حرب ضد العراق. حرب ضد العراق إذا ما حصلت، كما حذر شيراك، ستؤدي إلى ضرب الاستقرار في المنطقة، وبالتالي تعزيز موجة الإرهاب الذي من الصعب السيطرة عليها، إلى جانب بالطبع إحداث تغيير أساسي في ميزان القوى لمصلحة إيران من خلال إمساكها بالعراق، وتعزيز نفوذها في سوريا ولبنان.
شكل الغزو الأميركي وتداعياته لحظة تغييرية في الشرق الأوسط ذات انعكاسات وارتدادات استراتيجية على صعيد النظام الإقليمي في المنطقة بأكملها. طالت هذه كلها هيكل القوة في المنطقة، وغيرت بشكل كبير في التوازنات القائمة، وفي طبيعة وأولويات اللعبة السياسية المنظمة لصراع النفوذ في الإقليم وحول الإقليم. تحول العراق من لاعب أساسي في المنطقة، رغم السياسات المهددة للاستقرار التي قام بها عراق صدام حسين وكان أخطرها احتلال الكويت، إلى ملعب للمواجهة بين القوى المتنافسة في المنطقة. كما تحول العراق من حاجز أمام تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، يعرقل ويؤثر بالتالي في هذا التمدد، إلى ممر أساسي وعنصر تعزيز لهذا النفوذ في المشرق العربي وعلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط. كما ساهم التغيير الذي حملته تداعيات الحرب الأميركية في تسعير الخطاب المذهبي في المنطقة، بسبب الأوضاع التي خلقتها على الأرض.
أخذ العراق يتبع نوعاً قريباً من النموذج اللبناني؛ نموذج التوافقية الطائفية (طائفية وإثنية في العراق بسبب العنصر الكردي). أسقطت الحرب نظاماً شديد السلطوية وسمحت بإقامة نظام هو نوع من فيدرالية الأمر الواقع في النص والممارسة.
إن حرب إسقاط النظام في العراق أدت إلى إسقاط الدولة، وتركت ارتدادات خطيرة ليست على العراق فحسب، بل على مستوى الإقليم واستقراره. كلفة كبيرة دفعها العراق شعباً ووطناً قبل أن نشهد ولادة جديدة للعراق بدأت منذ فترة ليست بالبعيدة، ولكنها عادت عبر استنهاض الهوية الوطنية العراقية التي تحتضن التنوع ولا تكون نقيضة له أو يكون هو نقيضاً لها. كان ذلك شرطاً موضوعياً وضرورياً لعودة العراق إلى دور اللاعب في المنطقة، وليس البقاء في وظيفة الملعب لصراعات المنطقة. ساعدت على ذلك أيضاً العودة العربية إلى العراق، وعودة العراق إلى البيت العربي من جهة، كما يدل على ذلك تطور علاقات التعاون المتعدد الأوجه بين العراق والعديد من الدول العربية، وفي طليعتها مصر والأردن ودول الخليج العربي من جهة، وسياسة إيرانية واقعية من جهة أخرى. وللتذكير بهذه الولادة العراقية الجديدة فلقد استضاف العراق لقاءات الحوار السعودي - الإيراني في الماضي القريب، التي سهلت حصول «اتفاق بكين». الاتفاق الذي فتح صفحة جديدة في المنطقة، وأطلق مساراً تغييرياً لمصلحة الاستقرار في الإقليم، دونه العديد من التحديات، ولكنه الحامل للكثير من الإيجابيات في حال حقق أهدافه من إقامة علاقات على أساس القواعد التي جاءت في «بيان بكين».
وللتذكير أيضاً، فإن «العراق الجديد» قد استضاف في 28 أغسطس (آب) 2021، مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الذي أطلق مساراً للحوار والتعاون بين قوى إقليمية كان بعضها على خلافات كبيرة مع بعضها الآخر. وكان انعقاد المؤتمر في بغداد دليلاً على التغيير الذي حصل في العراق، وعلى ضرورة تكريس وتعزيز هذا التغيير. كما استضافت المملكة الأردنية الهاشمية المؤتمر الثاني في البحر الميت في يناير (كانون الأول) الماضي. وكان ذلك بمثابة رسالة من المشاركين، أياً كان مستوى المشاركة، على الرغبة في إطلاق مسار تغييري في الإقليم يقوم على الحوار، الذي سيعقد بشكل دوري (سنوي) على أسس القواعد المعروفة، والتي تحكم وتنظم العلاقات بين الدول.
إن مسارات الحوار والمصالحة التي انطلقت في المنطقة تعزز دور «العراق الجديد»، وقد تجعل من قمة بغداد التي أشرنا إليها منطلقاً لتأسيس مؤتمر أو منتدى للأمن والتعاون يفتح صفحة جديدة للاستقرار والتنمية في المنطقة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق الجديد عقدان من الزمن بعد الحرب الأميركية العراق الجديد عقدان من الزمن بعد الحرب الأميركية



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon