توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العراق الجديد: عقدان من الزمن بعد الحرب الأميركية

  مصر اليوم -

العراق الجديد عقدان من الزمن بعد الحرب الأميركية

بقلم - الدكتور ناصيف حتي

عقدان من الزمن مرّا على الغزو الأميركي للعراق. جاء الغزو بعد عام ونصف عام من العمليات الإرهابية - 11 سبتمبر (أيلول) 2001 - التي طالت برج التجارة العالمي في نيويورك وأهدافاً أخرى، والتي هزت الولايات المتحدة الأميركية والعالم أجمع، وبعد الحرب الأميركية ضد الإرهاب وإسقاط نظام طالبان في أفغانستان، وبداية الغرق الأميركي في المستنقع الأفغاني، جاءت الحرب ضد العراق تحت عنوان اجتثاث الإرهاب باعتبار أن بغداد - حسب الموقف الأميركي حينذاك - كانت تحتضن الإرهابيين، وكذلك تمتلك مخزوناً من أسلحة الدمار الشامل التي يفترض التخلص منها. عناوين ثبت لاحقاً أنها لم تقم أو تستند إلى معطيات فعلية، بل جاءت لتبرر الغزو الأميركي للعراق. أضيف إليها بالطبع عنوان نشر الديمقراطية في المنطقة بسبب ما سمي «العجز في الحرية» في الشرق الأوسط، العنوان الذي حمله المحافظون الجدد بزعامة الرئيس جورج بوش الابن واليمين الأميركي المتطرف حامل لواء التغيير في العالم والشرق الأوسط بشكل خاص. ويذكر موريس غوردو مونتاني الذي كان المستشار الدبلوماسي للرئيس شيراك في تلك الفترة بالتحذير الذي وجهه الرئيس الفرنسي للرئيس بوش خلال لقائهما على هامش قمة منظمة «حلف شمال الأطلسي» في براغ في (نوفمبر) تشرين الثاني 2002 من تداعيات حرب ضد العراق. حرب ضد العراق إذا ما حصلت، كما حذر شيراك، ستؤدي إلى ضرب الاستقرار في المنطقة، وبالتالي تعزيز موجة الإرهاب الذي من الصعب السيطرة عليها، إلى جانب بالطبع إحداث تغيير أساسي في ميزان القوى لمصلحة إيران من خلال إمساكها بالعراق، وتعزيز نفوذها في سوريا ولبنان.
شكل الغزو الأميركي وتداعياته لحظة تغييرية في الشرق الأوسط ذات انعكاسات وارتدادات استراتيجية على صعيد النظام الإقليمي في المنطقة بأكملها. طالت هذه كلها هيكل القوة في المنطقة، وغيرت بشكل كبير في التوازنات القائمة، وفي طبيعة وأولويات اللعبة السياسية المنظمة لصراع النفوذ في الإقليم وحول الإقليم. تحول العراق من لاعب أساسي في المنطقة، رغم السياسات المهددة للاستقرار التي قام بها عراق صدام حسين وكان أخطرها احتلال الكويت، إلى ملعب للمواجهة بين القوى المتنافسة في المنطقة. كما تحول العراق من حاجز أمام تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، يعرقل ويؤثر بالتالي في هذا التمدد، إلى ممر أساسي وعنصر تعزيز لهذا النفوذ في المشرق العربي وعلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط. كما ساهم التغيير الذي حملته تداعيات الحرب الأميركية في تسعير الخطاب المذهبي في المنطقة، بسبب الأوضاع التي خلقتها على الأرض.
أخذ العراق يتبع نوعاً قريباً من النموذج اللبناني؛ نموذج التوافقية الطائفية (طائفية وإثنية في العراق بسبب العنصر الكردي). أسقطت الحرب نظاماً شديد السلطوية وسمحت بإقامة نظام هو نوع من فيدرالية الأمر الواقع في النص والممارسة.
إن حرب إسقاط النظام في العراق أدت إلى إسقاط الدولة، وتركت ارتدادات خطيرة ليست على العراق فحسب، بل على مستوى الإقليم واستقراره. كلفة كبيرة دفعها العراق شعباً ووطناً قبل أن نشهد ولادة جديدة للعراق بدأت منذ فترة ليست بالبعيدة، ولكنها عادت عبر استنهاض الهوية الوطنية العراقية التي تحتضن التنوع ولا تكون نقيضة له أو يكون هو نقيضاً لها. كان ذلك شرطاً موضوعياً وضرورياً لعودة العراق إلى دور اللاعب في المنطقة، وليس البقاء في وظيفة الملعب لصراعات المنطقة. ساعدت على ذلك أيضاً العودة العربية إلى العراق، وعودة العراق إلى البيت العربي من جهة، كما يدل على ذلك تطور علاقات التعاون المتعدد الأوجه بين العراق والعديد من الدول العربية، وفي طليعتها مصر والأردن ودول الخليج العربي من جهة، وسياسة إيرانية واقعية من جهة أخرى. وللتذكير بهذه الولادة العراقية الجديدة فلقد استضاف العراق لقاءات الحوار السعودي - الإيراني في الماضي القريب، التي سهلت حصول «اتفاق بكين». الاتفاق الذي فتح صفحة جديدة في المنطقة، وأطلق مساراً تغييرياً لمصلحة الاستقرار في الإقليم، دونه العديد من التحديات، ولكنه الحامل للكثير من الإيجابيات في حال حقق أهدافه من إقامة علاقات على أساس القواعد التي جاءت في «بيان بكين».
وللتذكير أيضاً، فإن «العراق الجديد» قد استضاف في 28 أغسطس (آب) 2021، مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الذي أطلق مساراً للحوار والتعاون بين قوى إقليمية كان بعضها على خلافات كبيرة مع بعضها الآخر. وكان انعقاد المؤتمر في بغداد دليلاً على التغيير الذي حصل في العراق، وعلى ضرورة تكريس وتعزيز هذا التغيير. كما استضافت المملكة الأردنية الهاشمية المؤتمر الثاني في البحر الميت في يناير (كانون الأول) الماضي. وكان ذلك بمثابة رسالة من المشاركين، أياً كان مستوى المشاركة، على الرغبة في إطلاق مسار تغييري في الإقليم يقوم على الحوار، الذي سيعقد بشكل دوري (سنوي) على أسس القواعد المعروفة، والتي تحكم وتنظم العلاقات بين الدول.
إن مسارات الحوار والمصالحة التي انطلقت في المنطقة تعزز دور «العراق الجديد»، وقد تجعل من قمة بغداد التي أشرنا إليها منطلقاً لتأسيس مؤتمر أو منتدى للأمن والتعاون يفتح صفحة جديدة للاستقرار والتنمية في المنطقة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق الجديد عقدان من الزمن بعد الحرب الأميركية العراق الجديد عقدان من الزمن بعد الحرب الأميركية



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon