توقيت القاهرة المحلي 09:00:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رسائل فرنسية ثلاث في بكين

  مصر اليوم -

رسائل فرنسية ثلاث في بكين

بقلم - الدكتور ناصيف حتي

زيارة الرئيس الفرنسي إلى الصين الشعبية حملت رسائل أساسية ثلاثاً. ومن المفيد بداية، في هذا الإطار، التذكير أن «فرنسا ديغول» كانت القوة الغربية الأولى التي اعترفت بالصين الشعبية الشيوعية، عام 1964. الرسالة الأولى تتعلق بالشأن الاقتصادي والتجاري‏. والجدير بالذكر، أن التبادل التجاري بين البلدين يعاني من انعدام التوازن بشكل كبير بين الطرفين ولمصلحة الصين الشعبية بالطبع. وقد وصل العجز التجاري الفرنسي مع الصين الشعبية إلى نحو 40 مليار يورو. كما أن الاستثمارات الصينية في فرنسا ما زالت ضعيفة نسبياً؛ إذ لم تتعدَ النصف مليار يورو عام 2021. ولا أدل على أهمية الشأن الاقتصادي في الزيارة الرئاسية من أن أكثر من خمسين من كبار رجال الأعمال كانوا في عداد الوفد الفرنسي الذي رافق الرئيس ماكرون.
فإلى جانب تداعيات الأزمة الأوكرانية على الصعيد الاقتصادي تعاني فرنسا مثل الدول الغربية الأخرى من قانون خفض التضخم الذي أقرّته إدارة بايدن، والذي يهدف ضمن أمور أخرى إلى جذب الشركات للعودة أو للتوجه للاستقرار في الولايات المتحدة؛ مما يوثر بشكل كبير في الاقتصادات الغربية ومنها فرنسا بالطبع. ويريد الرئيس ماكرون تشجيع الاستثمار الصيني في فرنسا ورفع حجم التبادل التجاري بين البلدين لمواجهة تداعيات السياسة الأميركية التي أشرنا إليها، ضمن تحديات أخرى يواجهها الاقتصاد الفرنسي. ومن أهم دلالات السياسة الاقتصادية الفرنسية الجديدة والناشطة تجاه الصين الشعبية أن شركة «توتال» قد وقّعت عقد تعاون اقتصادي تجاري مع الصين الشعبية بالين وليس بالدولار أو باليورو، مع ما يحمله ذلك من دلالات مستقبلية على الأولوية التي تعطيها باريس للعلاقات الاقتصادية مع القوة العظمى الاقتصادية التي هي الصين الشعبية.
العنوان الثاني للزيارة كان يتعلق بالحرب في أوكرانيا. ورغم أن الرئيس الفرنسي قد صرح أكثر من مرة بأنه لا يتفق مع كل ما جاء من بنود في مبادرة السلام الصينية، لكنه أكد، بل شدد على أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به الصين الشعبية في هذا الشأن، بحكم العلاقات المميزة مع موسكو والثقل الذي تتمتع به على الصعيد العالمي. وأكدت المحادثات على رغبة الطرفين، ولو من مواقع سياسية مختلفة فيما يتعلق بالحرب الدائرة في أوكرانيا، بذل الجهود لوقف الحرب والتوصل لحل سياسي للنزاع على أساس احترام مبادئ وقواعد الشرعية الدولية (عدم احتلال أراضي الغير). ورغم أن الطريق لا تزال طويلة قبل التوصل إلى وقف إطلاق النار والذهاب نحو التفاوض، فإن الدور الصيني أكثر من أساسي في هذا المجال ونجاحه إلى جانب دور آخرين، ومنهم فرنسا وألمانيا ولو بشكل أقل، سيعزز من موقع الصين الشعبية على صعيد النظام العالمي الذي سيتشكل غداة انتهاء الحرب.
الرسالة الثالثة التي حملتها زيارة الرئيس الفرنسي سياسية استراتيجية بامتياز، وبأبعاد مختلفة.
وللتذكير، كان الرئيس الفرنسي يود أن يشاركه في الزيارة المستشار الألماني، الذي زار الصين الشعبية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ولكن البرودة في العلاقات بين الطرفين بسبب ازدياد التنافس بينهما في البيت الأوروبي في ملفات عديدة، واللذان كانا معاً يشكلان تاريخياً قاطرة عملية البناء الأوروبي، دفعت إلى امتناع المستشار الألماني عن مشاركة الرئيس الفرنسي في الزيارة. لكن الرسالة الأوروبية التي أراد أن يوجهها الرئيس الفرنسي إلى الصين الشعبية وإلى العالم عبر زيارة بكين أكدها من خلال مشاركة رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، له في زيارته.
ماكرون أراد توجيه رسالة من بكين حول «الاستقلالية الاستراتيجية» الأوروبية التي تبقى هدفاً أوروبياً ولو لم يكن قريباً من التحقيق. ولكن يبقى هدفاً فرنسياً بشكل أساسي وتاريخي رغم المعوقات الأوروبية على الصعيدين الجماعي والوطني التي تبطئ أو تعرقل تحقيق هذا الهدف. وجاء اليوم الرئيس الفرنسي ليضع هذا الهدف في طليعة أولوياته في فترة شديدة التعقيد على الصعيد الأوروبي بسبب الخلافات في البيت الأوروبي التي تمتد من السياسة إلى الاقتصاد إلى العلاقات مع القوى الدولية المختلفة. الرئيس الفرنسي أراد توجيه رسالة مزدوجة من بكين حول استقلالية القرار الفرنسي، وليس فقط الأوروبي الاصعب تحقيقه.
تصريح ماكرون حول تايوان عندما تحدث عن عدم التدخل أو التصعيد في أزمات ليست أزماتنا، رحبت بها دون شك بشكل كبير بكين ولكنها أثارت ردود فعل سلبية بدرجات مختلفة في «الحلف الغربي»؛ باعتبار أنها تضعف الموقف الغربي تجاه الصين الشعبية في خضم المواجهة الحاصلة معها. كما أنها تشكل خروجاً على المبادئ والقواعد التي استند إليها دائماً الموقف الغربي تجاه «المسألة التايوانية». الموقف «المتوازن» تجاه الأزمة التايوانية العائدة بقوة إلى واجهة الأحداث يشكل ابتعاداً في هذه اللحظة عن الموقف الغربي التقليدي. كما أن الحديث عن «رفض التبعية» أو الانحياز غير المشروط الذي يشير إليه الرئيس الفرنسي يذكّر إلى درجة كبيرة بقول وزير الخارجية الأسبق هوبير فدرين (عام 1998) حول علاقة فرنسا بالولايات المتحدة الأميركية «أصدقاء، حلفاء ولكن غير منحازين». قول يعبّر عن عقيدة السياسة الخارجية الفرنسية منذ أيام ديغول والتي استمرت مع الرئيسين ميتران وشيراك.، ولو شهدت بعد ذلك محطات خرجت فيها فرنسا أحياناً عن هذه العقيدة.
فهل شهدنا من بكين عودة فرنسا إلى اعتناق هذه العقيدة ولو بشكل خجول؟ المستقبل القريب والمتوسط سيحمل لنا الجواب على هذا التساؤل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسائل فرنسية ثلاث في بكين رسائل فرنسية ثلاث في بكين



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon