توقيت القاهرة المحلي 15:24:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غزة بين توسع النزاع والتهدئة أو الولوج للتسوية

  مصر اليوم -

غزة بين توسع النزاع والتهدئة أو الولوج للتسوية

بقلم - الدكتور ناصيف حتي

بداية لا بد من التذكير بأن الحرب الإسرائيلية على غزة تندرج في سياق استراتيجية حرب إسرائيلية تجاه القطاع منذ انسحابها منه في صيف 2005، وسيطرة «حماس» على القطاع. وقد شهدت غزة 9 حروب إسرائيلية بدأت في عام 2006، ولو اختلفت في درجة حدتها وإطارها الزمني، وآخرها الحرب الدائرة حالياً. أكثر من 3 آلاف مواطن قتلوا في القطاع خلال هذه الحرب الأخيرة المتصاعدة. وجاء القصف الإسرائيلي للمستشفى الأهلي المعمداني، الذي تحاول إسرائيل تبرئة ذاتها من مسؤولياتها تجاه هذا العمل الإجرامي وإلباسه للطرف الفلسطيني، الذي شهد سقوط أكثر من 250 قتيلاً، ليندرج في سياسة القتل الممنهج. السياسة التي تهدف إلى تفريغ القطاع من أهله. الاستراتيجية الإسرائيلية تثمن عملياً الفراغ التدريجي للقطاع، بدءاً من نزوح داخلي من الشمال إلى الجنوب، ثم الرهان الذي يحرك الخطة الإسرائيلية لدفع السكان عبر سياسة التصعيد المفتوح والأرض المحروقة نحو عبور الحدود إلى مصر. موقف القاهرة كان واضحاً وحاسماً في هذا الصدد لمنع إسرائيل من خلق أزمة نزوح أخرى تخدم أهدافها الاستراتيجية في السيطرة المباشرة وغير المباشرة على غزة، وسيسهل ذلك ضرب «حماس» والتخلص منها بشكلٍ أسرع وأفضل في غياب حاضنة شعبية فلسطينية، وربط العودة، غير المؤكدة بالطبع، بتحقيق الأمن بالمفهوم والشروط الإسرائيلية. الأمر الذي يسهل تحقيق الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي، وهو القضاء على حركة «حماس» كتنظيم، وعلى قدراته العسكرية والقتالية، كما يكرر المسؤولون الإسرائيليون. وهذا أمر أكثر من مستحيل، كون «حماس» مثل الحركات الفلسطينية الأخرى، وهي الأقوى حالياً على الساحة الفلسطينية، تشكل جزءاً طبيعياً من الحالة الشعبية الفلسطينية، أياً كانت قوة هذه الحركة أو تلك وقدرتها على اجتذاب المواطنين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال إلى صفوفها أو إلى التعاطف معها. المخاوف ذاتها من المشروع الإسرائيلي الجديد، الذي تحمله حكومة اليمين الديني المتشدد في إسرائيل، تعمل للتحضير لترانسفير ثانٍ أكثر أهمية لإسرائيل لناحية بناء دولة إسرائيل الكبرى. ترانسفير كان دائماً في صلب التفكير الاستراتيجي المتشدد، وجد مبتغاه وأكثر مع الحكومة الحالية في السلطة، تحت عنوان الأردن هو فلسطين، الأمر الذي تحذر منه مجدداً السلطات الأردنية، ما يسهل تهويد الأرض والشعب من خلال مرحلة لاحقة في حربها، تحت عنوان الأردن هو فلسطين.

في الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر أو حرب العبور، وما أحدثته من صدمة ذات أبعاد مختلفة لإسرائيل، جاء العبور «الحمساوي» إلى غلاف غزة والمستوطنات ليشكل صدمة العبور الثانية، وذلك على الأصعدة كافة، منها الأمنية والمخابراتية والعسكرية بالنسبة لإسرائيل. زلزال أصاب صورة الدولة المحصنة والقوية، التي لا يمكن أن تتعرض لهذا النوع الخطير من الصدمات المفاجئة. التهجير الذي تعمل عليه إسرائيل من القطاع، فيما لو حصل، سيشكل نكبة فلسطينية ثانية، بعد النكبة الأولى التي شهدت ولادة دولة إسرائيل. تأجيل إلغاء التسوية السلمية المطلوبة، وفي حقيقة الأمر محاولة ذلك، من خلال تحرير أيادي إسرائيل فيما لو أُخرج المدنيون من غزة، لحرب شاملة ضد «حماس» ولإعادة سيطرتها عليها أو التفاوض لوجود سلطة متعاونة كلياً معها، وتحت سقف الشروط الإسرائيلية، بالطبع ووجهت هذه السياسة بموقف رافض وصارم من طرف مصر، الطرف المعني بهذا الخصوص.

إلغاء القمة الرباعية الأميركية العربية، التي كانت مقررة في عمان بين الولايات المتحدة وكل من الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية، أو الأطراف المعنية مباشرة بهذا الصراع، بعد العدوان الإسرائيلي على المستشفى، كان بسبب استمرار واشنطن في موقفها الداعم بشكل مطلق، إلى جانب الأعمال العسكرية الإسرائيلية. والبعض يقول إن الرئيس بايدن يوظف مواقفه الداعمة لإسرائيل والمتبنية القراءة الإسرائيلية لانفجار النزاع في مسبباته وتطوراته، خدمة للأهداف الانتخابية الرئاسية الأميركية. وكأنما المطلوب من القمة القبول بشكل أو آخر بالشروط الإسرائيلية وفرضها على الطرف الفلسطيني، وهو أمر لا يمكن مبدئياً أو عملياً فرضه على «حماس».

إسرائيل أسيرة مواقفها ذات السقف المرتفع، وبالتالي أسيرة الحاجة إلى تحقيق انتصار يوظف داخلياً لوقف العدوان ولتغيير الوضع القائم على الأرض.

وتبدو أن الخيارات الإسرائيلية المختلفة وذات السقف المرتفع في ظل حكومة اليمين الديني المتطرف بقناعاته وممارساته هي غير ممكنة التحقيق، رغم دبلوماسية العنف المطلق التي تلجأ إليها الدولة العبرية لتحقيق تحولات أساسية على الأرض تخدم أهدافها في إقامة إسرائيل الكبرى.

من هذه الخيارات...

أولاً؛ اللجوء إلى حرب «تأديبية» لإنزال أشد الخسائر بالمدنيين والمقاتلين، باعتبار أن ذلك يمكن أن يقدم كنصر معنوي وعسكري يخلق وضعاً جديداً على الأرض لمصلحة إسرائيل. سياسة تقوم على الهجوم البري المتكرر والخروج بعدها، وليس إقامة قواعد في القطاع، خوفاً من الغرق في «الرمال الغزاوية».

ثانياً؛ استمرار الحرب تصعيداً وتخفيضاً على صعيد حجم القتال، من دون الدخول إلى غزة، فنكون أمام نوع مما يعرف بالحرب الممتدة، القابلة للاشتعال أو للاحتواء المؤقت والهش.

ثالثاً؛ عملية اجتياح تدرك المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية أكلافها المرتفعة على الأصعدة كافة، وتؤدي إلى «الغرق في الرمال» الغزاوية، ولا تسمح لإسرائيل بالتخلص من «حماس» وحلفائها على الأرض الغزاوية.

رابعاً؛ استمرار التوتر والتصعيد على الأرض وارتكاب المجازر من طرف قوات الاحتلال، قد يؤدي إلى انفجار الوضع في الضفة الغربية، وهذا أمر أكثر من طبيعي، بعد بروز مؤشرات كثيرة وأكثر من طبيعية على ذلك. أضف أيضاً أن الفلسطينيين في إسرائيل قد يبدأون بانتفاضة، ليس بالطبع بقوة وقسوة ما حصل في القطاع بسبب خصوصيات الأوضاع والقيود التي تحكم حياتهم في الداخل الإسرائيلي.

خامساً؛ «نزول إسرائيل عن الشجرة»، مع هذه الانسدادات الموضوعية المانعة لتحقيق أهدافها، من خلال القبول بهدنة مؤقتة قابلة للتمديد وحاملة لشروط، تتولى الأطراف الثالثة الوسيطة من مجموعة دولية إقليمية عربية العمل عليها وتوفير الضمانات لتنفيذها وتعزيزها. وهذا مسار ليس بالسهل أيضاً.

سادساً؛ الخوف من خيار آخر لا يمكن تجاهله، وقوامه أن ازدياد أعمال القتال والعنف وانسداد أفق التسوية المطلوب العمل عليها خارجياً، وفشل دور الطرف الثالث في احتواء الموقف، قد يؤدي إلى اتساع الحرب نحو الحدود الشمالية (الحدود اللبنانية - الإسرائيلية) رغم سياسات التصعيد المقيد والحامل لرسائل من نوع الردع المتبادل، التي يجري تبادلها بين إسرائيل و«حزب الله».

لكن يبقى المطلوب، وهذه أهم دروس الحرب الحاصلة والمفتوحة في الزمان والمكان والمتداخلة مع المصالح والمواقف الإقليمية، والتصعيد المفتوح على المجهول المخيف للجميع، هو البدء بالبحث عن إحياء مسار التفاوض للتوصل إلى السلام الشامل والدائم. وهو من دون شك يتأثر بصراعات المنطقة، ودونه كثير من العوائق، ولكن لا بديل عن ذلك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة بين توسع النزاع والتهدئة أو الولوج للتسوية غزة بين توسع النزاع والتهدئة أو الولوج للتسوية



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon