بقلم : محمد أمين
أقصد هذا المعنى بالتأكيد.. لا أقول «الناجون من النار» أو الموت وإنما «الناجون من الحياة».. وهذه مقولة منسوبة إلى الشاعر محمود درويش تقول: «كل الذين ماتوا نجوا من الحياة بأعجوبة».. وهى مقولة على قدر كبير من مخزون الخبرة والحكمة.. لم يكن يستطيع أن يقولها غير محمود درويش الذى عاين الموت وباشره فى كل مكان، فرأى أن الذين ماتوا ارتاحوا.. ونجوا بأعجوبة.. وهى بالتأكيد نابعة مما كان يحدث على أرض فلسطين، فما بالك اليوم؟!
أتذكر أن سيدة قالت هذه المقولة أمام أمها فى الأيام الأخيرة لها، فابتسمت وكأنها توافق على المقولة، ثم استأذنت فى الرحيل.. فلا تحزنوا على الذين رحلوا، فقد استراحوا ونجوا من الحياة وضغوطها، وكنا لا نستطيع أن نراهم يتألمون تحت ضغط الأحداث والمقارنات بين الأزمنة!
منذ أيام ودّع الوسط الفنى مجموعة من الفنانين فى أسبوع واحد، وشهد الوسط الفنى أسبوعًا حزينًا، توالت فيه حالات الوفاة، حيث بدأت برحيل الفنان طارق عبدالعزيز، وانتهاءً بوفاة المنتجة ناهد فريد شوقى، وصولًا لرحيل الفنان أشرف عبدالغفور فى حادث أليم، وقد كان يحظى بمحبة واحترام الوسط الفنى، وهو ما ظهر فى عزائه أمس الأول، فقد حرص عدد كبير من نجوم الفن والإعلام على حضور العزاء، ومواساة ابنته ريهام!
هؤلاء تنطبق عليهم مقولة محمود درويش التى ذكرتها منسوبة إليه، صحيح أنهم استأذنوا فى الرحيل وتركونا فى هذه الأجواء المؤلمة، والفراق صعب، لكنهم فى مكان أفضل بإذن الله!
مرة أخرى، الذين ماتوا استأذنوا فى الوقت المناسب، فلم يروا تهجير أهل غزة قسريًا تحت أصوات الطائرات والرصاص، ولم يروا أسعار الذهب والدولار تصل إلى معدلات خيالية، قد يكونون عاشوا ازدواجية أمريكا فى أحداث كثيرة، ولكنهم لم يروا تزويد أمريكا بالسلاح لإسرائيل ليلًا والتظاهر بالبكاء نهارًا على الأطفال!
هذا عالم يموت فيه الفنانون لأنهم مرهفون لا يتحملون ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ولا يموت فيه السياسيون الذين يديرون الأمور بمعايير مزدوجة وقلب ميت!
هناك نفرٌ كنا نقول عليهم: ناجون من الجحيم أو ناجون من النار.. الآن هناك نفر ناجون من الحياة إلى الراحة الأبدية.. ولو قرأت كتابات الأدباء والشعراء على منصات التواصل الاجتماعى ستعرف حجم المعاناة والألم التى يعيشها الأحياء وهم يرون الفلسطينيين ينزحون من بلادهم وديارهم ببطانية وطبق وحلة صغيرة للطعام فى عز الشتاء!