بقلم : محمد أمين
معظم الذين كتبت عنهم مؤخرا بدأوا تعليمهم فى كتّاب القرية، يتعلمون الكتابة ويحفظون القرآن.. فمنهم من استكمل دراسته فى الأزهر، ومنهم من توجه للمدرسة الخديوية حتى حصل على البكالوريا.. بطل قصة اليوم توفيق دياب وكان خطيبا مفوها وعضوا فى مجمع الخالدين، ثم نائبا فى البرلمان وصحفيا وطنيا اكتشفه أحمد لطفى السيد، وكان يراسله من لندن وينشر له مقالاته فى الصفحة الأولى، باسم طالب من جامعة لندن!.
فى ذلك الزمن كانوا يقدرون القيمة، ويقدرون أصحابها، ليس شرطا أن يكون أستاذا فى الجامعة، كان طالبا يكتب شيئا مفيدا، وهذا درس كبير، وحينما عاد إلى مصر، قدمه أستاذه أحمد لطفى السيد إلى سعد زغلول وأعجب بوطنيته وفصاحته وجرأته، فقد كان والده أحد كبار ضباط الجيش خلال ثورة عرابى، وهو الأمير ألاى موسى بك دياب.. مكنته دراسته الأولى وحفظ القرآن ليكون فصيحا وخطيبا، وكان يقدم محاضراته فى الجامعة الأهلية زمن لطفى السيد وكانت تذكرة الدخول خمسة قروش مثل حفلات أم كلثوم!.
على مدى مشواره التعليمى التحق بالمدرسة التوفيقية والخديوية ثم التحق بمدرسة الحقوق، وطلب من أبيه أن يوفده إلى لندن، وقضى هناك خمس سنوات وعاش حياة حافلة بين إلقاء المحاضرات والخطب وإصدار الصحف حتى صار واحدا من أقطاب بلاط صاحبة الجلالة فى واحدة من أكثر مراحلها حرجًا وانتعاشا أيضا، مع كثيرين مثل أحمد لطفى السيد، الذى عمل معه فى جريدة «الجريدة»!.
وكتب فيها واحدا من أشهر مقالاته المسلسلة فى أواخر ١٩١٠ وكان بعنوان «المدنيتان»، كما عمل بصحيفة الأهرام، وكان صاحب أول عمود صحفى عرفته مصر فيها، ثم أسس صحفه الخاصة، وأبرزها «الجهاد»، وكثيرا ما تم تعطيل صحفه بسبب ضراوة مقالاته، كما تعرض للسجن!.
وفى بعض مراحله كان يذهب إلى الأزهر، ليحضر حلقات الدراسة للتعمق فى اللغة العربية، مما مكنه من البروز فى ميدان الكتابة والخطابة، والتحق بمدرسة الحقوق على نهج لطفى السيد وعبدالعزيز فهمى، وتأثر برجال ذلك العصر وشعرائه مثل أحمد شوقى.. وأخذ منه بيت الشعر الذى ارتبط به.. قف دون رأيك فى الحياة مجاهدا إن الحياة عقيدة وجهاد.. وكأن شوقى قد كتب له هذا البيت، فطبق ما فيه فى كل حياته ذهب إلى أعلى المدارس وتركها لأنها لا تلبى طموحاته وعاد يدرس دراسة حرة، وذهب إلى الأزهر وذهب إلى لندن وأصدر الصحف وعاش للجهاد وما يعتقد أنه الحق!.
رفض رتبة الباشوية لأنهم خيروه بين مجلس النواب والإنعام الملكى فاختار مجلس النواب، وفى نهاية الأمر ترك كل هذا واكتفى بنشاطه فى مجمع الخالدين والمحاضرات والخطابة، انحاز توفيق إلى مبادئ «الأحرار الدستوريين» المدافعة عن الدستور والاستقلال!.
لبى دعوة أحمد لطفى السيد للمشاركة فى تحرير جريدة «السياسة» لسان حال الحزب! ثم أصدر مع صديقه محمود عزمى جريدة وادى النيل التى حاربتها حكومة محمد محمود بشتى الطرق، ومن مفارقات القدر أنه مات يوم عيد الجهاد 13 نوفمبر عام 1967