بقلم : محمد أمين
أول مرة سمعت قصة الشيخ على يوسف والشيخ عبدالخالق السادات كانت من الدكتور سامى عزيز أستاذ الصحافة بكلية الإعلام.. كانت أول قصة تفريق بين زوجين على أساس اختلاف المكانة والنسب.. وبالمناسبة، فقد أصدرت محكمة مصر الشرعية حكمها في مثل هذه الأيام من شهر أغسطس 1904!.
لم يشفع للشيخ على يوسف أنه كان صحفيًّا، ولا أنه كان صاحب جريدة المؤيد، ولا أنه كان صديق الخديو عباس حلمى، والمثير في الأمر أن الخديو لم يتدخل لنصرة صديقه، ولكنه ترك المسألة تأخذ مسارها القانونى، كان الشيخ على يوسف قد تقدم للآنسة صفية بنت السادات، وخطبها وعقد القران دون علم والدها، فطالب الوالد وهو عبدالخالق السادات بالتفريق بينهما لاختلاف النسب، وعدم أهلية الزوج!.
وكانت قضية هزت الرأى العام في ذلك الوقت، وتابعتها الصحف، وقد حكاها الدكتور سامى عزيز ليشير إلى أي مدى كانت كلمة صحفى لا تعنى شيئًا في بدايات القرن الماضى، ولم ترفع من مكانة الرجل الذي أسس صحيفة كبرى، وكان صاحب الخديو.. ثم مرت في النهر مياه كثيرة، واشتغلت في الوفد، وكان من حسن الحظ أن يكون المبنى القديم في شارع الشيخ على يوسف بالمنيرة لأسترجع ذكريات الاسم، وأقرأ عنه بعض المعلومات من جديد، وكان الشيخ على متيمًا بـ«صفية»، فأحبها وتزوجها، وفرقت بينهما المحكمة لعدم الأهلية!.
لم يكن الدكتور سامى عزيز يحكى هذه القصة كى ندرك الواقع في بدايته ونهرب، ولكنه حكاها ليؤكد أن الدنيا تغيرت كثيرًا منذ أول القرن حتى ثمانينيات القرن نفسه!.. لكن هالنى أن الخديو لم ينصر صاحبه ويتدخل للحصول على حكم لصالحه، حتى إن رئيس الديوان أحمد شفيق باشا كان يتابع تفاعلات القضية دون أن يتدخل، وهى إشارة على عظمة استقلال القضاء في ذلك الوقت، الذي قضى بالتفريق بين الزوجين، ووصف محامى الشيخ السادات أن على يوسف من أصول فقيرة، ويمتهن مهنة حقيرة هي الصحافة!.
وأكدت حيثيات الحكم أن «حرفة الصحافة التي نسبها على يوسف لنفسه قسمان، قسم يبحث في فنون وعلوم مخصوصة كالمجلات، وهى صحافة جليلة، وهذا القسم لم يدعه المدعى (على يوسف) لنفسه».!
واستأنف على يوسف وصفية الحكم، وقال المحامى: «أين النصوص التي تقول إن الفقر السابق يبقى عارًا على صاحبه، مهما نال بعد ذلك من الغنى والمال والجاه؟. إن القائل بذلك يريد أن يسجل الانحطاط على الجنس البشرى كله لأن الأصل في الإنسان الفقر، والغِنَى طارئ عليه، وأساس الغِنَى الجد والعمل».. المهم اعتزل الشيخ على يوسف مهنة الصحافة، وتركها للأبد!.
وأخيرًا بعد قرن من الزمان، تغيرت قواعد مهنة الصحافة ونظرة المجتمع لها.. ولم يذكرهم أحد بما جرى لواحد منهم في أوائل القرن الماضى.