بقلم : محمد أمين
من رفاعة الطهطاوى، رائد النهضة العلمية، إلى محمد عبده، رائد حركة التجديد فى الفكر الإسلامى.. وقد كان لى شرف الكتابة عنه فى أول بحث بكلية الإعلام.. انبهرت بشخصيته وقدرته على التمرد والتجديد، ويُعدّ الإمام محمد عبده واحدًا من أبرز المجددين فى الفقه الإسلامى فى العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة، ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده فى تحرير العقل العربى من الجمود الذى أصابه لعدة قرون!
شارك الإمام فى إيقاظ وعى الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الاجتهاد الفقهى لمواكبة التطورات السريعة فى العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره فى مختلف النواحى السياسية والاقتصادية والثقافية!
البداية كانت فى الجامع الأحمدى بطنطا.. فهو من مواليد الغربية لأب تركمانى الأصل، وأم مصرية، حيث تلقى دروسه الأولى على يد شيخ القرية، وعندما شبَّ الابن أرسله أبوه إلى «الجامع الأحمدى»، جامع السيد البدوى بطنطا، لقربه من بلدته، ليجوّد القرآن بعد أن حفظه، ويدرس شيئًا من علوم الفقه واللغة العربية!
وهناك غيّر الشيخ خضر مجرى حياته. وكان الشيخ متأثرًا بتعاليم السنوسية والدعوة إلى الرجوع إلى الإسلام الخالص فى بساطته الأولى، وتنقيته مما شابه من بدع وخرافات. واستطاع الشيخ «درويش» أن يعيد الثقة إلى محمد عبده، بعد أن شرح له بأسلوب لطيف ما استعصى عليه من تلك المتون المغلقة، فأزال طلاسم وتعقيدات تلك المتون القديمة، وقرّبها إلى عقله بسهولة ويسر!
أول محطة فى حياته كانت الشيخ خضر، وعاد محمد عبده إلى الجامع الأحمدى، وقد أصبح أكثر ثقة بنفسه، وأكثر فهمًا للدروس التى يتلقاها هناك، بل لقد صار «محمد عبده» شيخًا ومعلمًا لزملائه يشرح لهم ما غمض عليهم قبل موعد شرح الأستاذ. وهكذا تهيأ له أن يسير بخطى ثابتة على طريق العلم والمعرفة!
المحطة الثانية محطة الشيخ حسن الطويل، وكان له اتصال بالسياسة، وعُرف بالشجاعة فى القول بما يعتقد دون رياء أو مواربة. وقد حرّكت دروس الشيخ حسن الطويل كوامن نفس محمد عبده، ودفعته إلى البحث عن المزيد، فكان يكتب فى «الأهرام» مقالات فى الإصلاح الخلقى والاجتماعى، فكتب مقالًا فى «الكتابة والقلم»، وآخر فى «المدبر الإنسانى والمدبر العقلى والروحانى»، وثالثًا فى «العلوم العقلية والدعوة إلى العلوم العصرية»!
وكنتُ مرتبطًا بالإمام لأنه عرف الصحافة فى مشواره، وعيّنه رياض باشا رئيسًا لتحرير «الوقائع المصرية» فى عهد الخديو توفيق فاتجه لإصلاحها، واختار سعد زغلول وإبراهيم الهلباوى والشيخ محمد خليل ليعاونوه، وحوَّلها من جريدة رسمية إلى جريدة شعبية، تهتم بأمور الناس إلى جانب نشر القرارات الرسمية، فكانت تنشر مقالات اجتماعية وأدبية، وجعلها منبرًا للإصلاح!
وعندما تولى دار الإفتاء خدم الإسلام من خلالها خدمة عظيمة حتى أنه أوصى أن يدفن على مقربة منها، فدُفن فى مقابر صلاح سالم فى مواجهة دار الإفتاء، وكان يزور مقبرته كثيرٌ من طلاب العلم، ويجلسون بالساعات يقرأون القرآن على روحه عرفانًا بفضله!.