بقلم : محمد أمين
في أحد أعياد الأضحى كنت في القاهرة، على غير العادة.. فمن عادتى أن أقضى الأعياد والمواسم كلها في القرية مع أسرتى.. لا أذكر لماذا قضيت ذلك العيد تحديدًا في القاهرة؟.. يبدو أننى كنت أريد أن أعرف غلاوتى أو أي شىء من هذا القبيل.. وظل إخوتى يعاتبوننى على الغياب، ويقولون إننا لم نشعر بالعيد لغيابك.. اعتذرت لهم عن غيابى واعتذرت لزوجتى أيضًا أنها خرجت في ذلك اليوم، لترى منظر الدماء قى الشوارع.. ومن يومها كرهت أكل اللحوم وتحولت إلى «نباتية» تأكل الخضار والفول والجبن!.
أسعدنى أن محافظة القاهرة أعلنت حالة الطوارئ، لاستقبال عيد الأضحى، وفتح المجازر الحكومية بالمجان، وتيسير تقديم خدمة الذبح مجانًا للأهالى، وتشمل الخدمة المجانية الكشف على الحيوان قبل الذبح والكشف على اللحوم والاستضافة لحين انتهاء الذبح والتجهيز ومكان انتظار السيارة!.
فهل يعنى ذلك أننا لن نرى مشاهد الذبح والدماء في الشوارع؟.. وهل يعنى ذلك أننا سوف نتخلص من عملية الذبح خارج السلخانات بما تحمل من مشاهد مزعجة للنساء والأطفال؟.
زوجتى بالمناسبة لا تأكل اللحوم والدواجن بسبب ما تسميه العنف ضد الماشية والطيور، ليس في العيد فقط ولكن في أي وقت، وإن كانت لا ترفض شعيرة الأضحية، باعتبارها شعيرة إسلامية!.. لكنها لا تفعلها ولا تحب أن تراها، في الوقت نفسه ليست عضوة في إحدى الجمعيات، الممتدة بامتداد العالم!.
وهى حين تذهب معى إلى القرية لا تشارك في الأضحية ولا تقف معى ولا تقبل على الأكل كما نفعل.. هي راضية برغيف وقطعة جبن، فهى موفرة للطاقة دون أن تشكو ولو بقيت شهورًا دون لحوم!.
هي من أنصار البيئة وأذكر أننا إذا خرجنا تأخذ معها شنطة تضع فيها كل مخلفات الأسرة، وتجدها جالسة وعينها على كل ورقة مع الأولاد، وتأخذ الورقة تدسها في شنطة معها، وفى الفترة الأخيرة انضمت لحزب «الخضر»، والتقت وفودا ألمانية تشرح لهم تجربة الحزب في مصر، وكانت من أنصار تطهير منطقة العلمين من الألغام وآثار الحروب!.
وقد أسعدنى أنها كانت أيام الثورة تكنس الميدان وتحافظ على نظافته، فهى ترى أن النظافة من الإيمان، وكثيرًا ما كانت تطالب بمساحات خضراء في قلب القاهرة لحماية الأطفال من عوادم السيارات، وطالبت بأن تكون هناك حدائق عامة مكان المبانى الحكومية التي يجرى إخلاؤها للعاصمة الإدارية، ورأيها أن حاجتنا للحدائق أكثر من حاجتنا إلى مبان جديدة!.
وإذا كانت الحكومة تحظر إقامة الشوادر في الشوارع، فقد كانت من الذين طالبوا بذلك حفاظًا على الصحة العامة، وعدم إعاقة حركة المرور!.
وأخيرًا فهى وغيرها ليسوا ضد ذبح الأضحية ولكن مع تنظيم العملية بشكل صحى، عبر المجازر الرسمية، بحيث لا يضر الأطفال أو يجعلهم يتعودون على العنف والذبح.. وأظن أننا نسير في هذا الاتجاه الحضارى، فلا يعنى أن تذبح أن تمسح يديك في السيارة والحوائط، وتشوه المنطقة وتفزع الأطفال، ويبقى أن نتعامل مع الأمر بالجدية اللازمة