بقلم : محمد أمين
هذا الكاتب أحبه.. أقصد الكاتب أحمد أمين (1 أكتوبر 1886- 30 مايو 1954)، وبداية فهو ليس كاتبًا صحفيًّا، وإنما هو أديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، وهو صاحب تيار فكرى مستقل قائم على الوسطية، عُرف بموسوعته: فجر وضحى وظهر ويوم الإسلام، وهو والد المفكرين المعاصرين حسين وجلال أمين.
كنت أحبه لصدقه، ووسطيته، وانضباطه فى العمل العام، وربما للتشابه بيننا فى الاسم، كما أحببت مصطفى أمين لكثير من الأسباب، ومنها هذا التشابه أيضًا. تخرج أحمد أمين فى الكُتاب أيضًا، ودرس فى المدرسة الابتدائية، والتحق بمدرسة القضاء الشرعى، ثم عمل فى القضاء والصحافة والسياسة، وكان من أصدقاء طه حسين، ويُقال إن طه حسين عرض عليه أن يعمل مدرسًا بكلية الآداب بجامعة القاهرة، فغيّر حياته، وعمل مدرسًا ثم أستاذًا مساعدًا إلى أن أصبح عميدًا للكلية عام 1939!.
أنشأ مع بعض زملائه سنة 1914م «لجنة التأليف والترجمة والنشر»، وبقى رئيسًا لها حتى وفاته 1954م. شارك فى إخراج «مجلة الرسالة» (1936م)، كذلك أنشأ مجلة «الثقافة» الأدبية الأسبوعية (1939م)، وفى 1946م بعد توليه الإدارة الثقافية بوزارة المعارف، أنشأ ما عُرف باسم «الجامعة الشعبية».
وفى حياته محطات يمكن التوقف أمامها، أولاها محطة القضاء الشرعى، وقد التحق بهذه المدرسة الشهيرة فى زمانها، واختير طلابها من نابغى أبناء الأزهر بعد امتحان عسير، فطمحت نفسه إلى الالتحاق بها، واستطاع بعد جهد أن يجتاز اختباراتها ويلتحق بها فى (1325هـ/ 1907م)، وكانت المدرسة ذات ثقافة متعددة دينية ولغوية وقانونية عصرية وأدبية.
واختير لها ناظر كفء، هو «عاطف باشا بركات»، الذى صاحبه أحمد أمين ثمانية عشر عامًا، وتخرج فى المدرسة سنة (1330هـ/ 1911م) حاصلًا على الشهادة العالمية، واختاره عاطف بركات معيدًا فى المدرسة، فتفتحت نفس الشاب على معارف جديدة، وصمم على تعلم اللغة الإنجليزية، فتعلمها بعد عناء طويل!، وفى ذلك يقول: «سلكت كل وسيلة لتحقيق هذه الغاية»!.
أما المحطة الأخرى فهى محطة جامعة القاهرة، بدأ اتصال أحمد أمين بجامعة القاهرة سنة (1345 هـ- 1926م) عندما رشحه الدكتور طه حسين للتدريس بها فى كلية الآداب، ويمكن القول إن حياته العلمية بالمعنى الصحيح آتت ثمارها وهو فى الجامعة، فكانت خطواته الأولى فى البحث على المنهج الحديث فى موضوع المعاجم اللغوية، وكانت تمهيدًا لمشروعه البحثى عن الحياة العقلية فى الإسلام، والتى أخرجت «فجر الإسلام» و«ضحى الإسلام».
تولى تدريس مادة «النقد الأدبى»، واستقال من العمادة لقيام الدكتور محمد حسين هيكل، وزير المعارف أيامها، بنقل عدد من مدرسى كلية الآداب إلى الإسكندرية من غير أن يكون لأحمد أمين علم بشىء من ذلك، فقدم استقالته، وعاد إلى عمله أستاذًا، وهو يردد مقولته المشهورة: «أنا أصغر من أستاذ وأكبر من عميد».
فى الجامعة تصدَّع ما بينه وبين طه حسين، فاتسعت شُقَّة النفور، وقال عنه طه: «كان يريد أن يغيّر الدنيا من حوله، وليس تغيير الدنيا ميسرًا للجميع». رحمهم الله جميعًا!.