بقلم : محمد أمين
أكتب، اليوم، عن واحد من مشاهير مصر، له إسهامات ثقافية ووطنية وصحفية معروفة.. فهو كاتب وشاعر وخطيب وصحفى وطنى كبير، من الذين شاركوا فى الثورة العرابية بزعامة أحمد عرابى. ولُقب بـ«خطيب الثورة العرابية».. وُلد فى الإسكندرية، مصر. أسّس الجمعيات الخيرية التعليمية للدعوة إلى الوطنية المصرية، أصدر مجلتى «التنكيت والتبكيت» و«اللطائف». اشترك فى الثورة العرابية، ونُفى بعدها، وعُفى عنه، ورجع من النفى. أصدر مجلة «الأستاذ»، ونُفى من جديد إلى (استانبول)، وتُوفى هناك!.
وُلد عبدالله النديم فى الإسكندرية، وبعدما حفظ القرآن، أدخله أبوه مدرسة جامع الشيخ إبراهيم باشا، فتعلم على يد كبار المشايخ الفقه الشافعى والمنطق والأصول والآداب اللسانية، وأظهر قدرات كبيرة فى كتابة الشعر والنثر المسجوع. وكانت الكتابة مقصورة على السجع، لكن «النديم» ابتكر أساليب جديدة فى الكتابة!.
تعلم التلغراف، وأتقنه بسرعة، وتعين «تلغرافجى» فى أكثر من مكتب، كان أهمها مكتب تلغراف القصر العالى الخاص فى فترة تولى الخديو إسماعيل باشا.. ترك عبدالله النديم عمله التلغرافجى، واهتم بالشعر والأدب ومخالطة الكُتاب والشعراء، وأظهر تفوقه عليهم، ولأنه أراد أن يسترخى قليلًا، سافر إلى المنصورة، وأُعجب بالمدينة، فاستقر بها، وافتتح متجرًا بها، ونجح فى التجارة، لكن لأنه كان كريمًا مع الناس، لم يستفد ماديًّا، وتحول بيته ومتجره إلى صالون بسيط يجلس فيه مع الأدباء!.
كانت الحياة السياسية فى أسوأ حالتها، ولم يكن أحد يعرف الكتابة ولا الكلام، وتُوفى إسماعيل باشا، وتولى الخديو توفيق حكم مصر، واستبشر الناس خيرًا، وانضم إلى الجمعية أناس كثر، منهم أعيان الإسكندرية. الجمعية الخيرية الإسلامية كانت أول جمعية إسلامية تتكون فى مصر، وكان من أهدافها نشر روح المعرفة بين الشبان!.
وفتحت الجمعية مدرسة لتعليم اليتامى وأولاد الفقراء مجانًا، وتمكن عبدالله النديم من أن يجعل الخديو توفيق يهتم بالمدرسة، فأصبحت تحت إشراف ولى عهده عباس حلمى، الذى جلب لها مدرسين مصريين وأجانب، وتعين عبدالله النديم مديرًا عليها!.
المهم، شهدت المدرسة طفرة، وكبرت، وفى وقت قصير أصبح فيها تلاميذ، وخصصت لها وزارة المعارف ميزانية سنوية قيمتها 250 جنيهًا.. واتجه «النديم» إلى السياسة، وتغيرت لغته من الكتابة الأدبية، التى تميل إلى السجع والنثر المسجوع، إلى الكتابة الطبيعية فى صحيفتى المحروسة والعصر الجديد، وكانت بداية جديدة لعصر جديد!.
وأصدر مجلتيه الساخرتين «التنكيت والتبكيت» و«اللطائف»، عبارة عن «جرنان» سياسى صرف، كان من أشهر الصحف فى ذلك الزمان، وقامت الثورة العرابية، وانضم إلى الثورة لأن الحكومة كانت منحازة للأجانب على حساب المصريين، فطالب بالإصلاح والمساواة، وحارب الفساد!.
وأخيرًا، كان «النديم» يتنكر من الحكومة، وهو أول مَن أجاد الهروب من الملاحقات، عن طريق التنكر، وساعده الناس على التخفى، ولم يدلوا عليه، حتى قُبض عليه، وقرر الخديو نفيه خارج البلاد لأى مكان يختاره، ودفع له راتبًا شهريًّا كبيرًا، وتكاليف السفر أيضًا، وقدرها 400 جنيه.