بقلم : محمد أمين
لم أجد كاتبًا في زمان الدكتور أحمد لطفى السيد إلا وهو يشيد به وبعلمه وأخلاقه.. وطه حسين كان في مقدمة هؤلاء مع أنه كان سببا في استقالته من الجامعة، إلا أنه قال فيه قولا حسنًا.. وكان لطفى السيد قامة كبرى في القانون واشتغل بالمحاماة والقضاء.. وكان فيلسوفًا وإداريًا وسياسيًا ناجحًا.. وهكذا كان هذا الجيل، حين يذكر واحدًا من رموز مصر.. وقال لطفى السيد عن قاسم أمين إنه كان من أصل كردى، لأن جده أمير من أمراء الأكراد، أخذ ابنه رهينة في الأستانة لخلاف كان بين الأكراد وبين الدولة العثمانية، وكان ذلك الرهينة هو المرحوم أمين بك والد قاسم بك، فجىء به إلى مصر في زمن إسماعيل باشا، ودخل في الجيش المصرى، حتى رقى إلى رتبة أميرالاى، وتزوج بكريمة المرحوم أحمد بك خطاب فكان أكبر أولاده قاسم!.
وكتب عن قاسم أمين فقال: «من يلم بهذا التاريخ المختصر لحياة قاسم، يجده تاريخًا عاديًّا غير مملوء بالعواصف التي تلازم عادة حياة كبار الرجال، فيستفيدون منها قوة وشجاعة، ويتعلمون من تجاربها ما يجعلهم يفوقون غيرهم في سلامة الحكم على الحوادث، ولكن على الرغم من ذلك، كانت نفسه بطبيعتها مستعدة لأن تتعلم وتكمل من الملاحظة الذاتية والتجارب، فإن قاسم قال:
أقل مراتب العلم ما تعلمه الإنسان من الكتب والأساتذة، وأعظمها ما تعلمه من تجاربه الشخصية في الأشياء والناس!».
بحث قاسم أمين في المسائل الاجتماعية على العموم، فكان رأيه فيها أنها خاضعة دائمًا للقوانين الطبيعية، قوانين التحليل والتركيب، والنمو التدريجى، والانتقال!
وبحث في المسألة الاجتماعية لمصر على الخصوص، فوجد أن حلها متوقف على نظام العائلة المصرية، ووجد أن المرأة هي الأساس الأول لبناء العائلة، فأخذ يفكر كيف يرقى المرأة المصرية، وأطال في ذلك التفكير، وأخذ يجمع قوته وعدته ليفك هذا الإنسان الضعيف من سلاسل الأسر التي قيدته بها العادة، وليهدم هذا السجن العميق الذي حبس الاستبداد في غيابته عقولَ نصف المصريين، وحجب ذلك الضوء الساطع، ضوء روح السيدة المصرية، عن أن ينتشر بين سمائها الصافية وأرضها المخصبة انتشارًا يضىء للرجال طريق السعادة المنزلية، ويوصلهم من غير عناء إلى ذروة المجد والاستقلال!.
فكتب كتاب «تحرير المرأة»، ثم أعقبه بكتاب «المرأة الجديدة»، كتبهما فهدّ ركن سجنها، وأضاء لها ظلمات الحياة المنزلية والزوجية، وجعلها تحس أنها أم الرجل لها احترامه، وأخته لها عطفه وحنانه، وزوجه لها منه محبة لذاتها واعتباره لمركزها، كما هدى إلى ذلك الدينُ القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون!
أخذ قاسم على عاتقه حمل هذا العبء الثقيل، عبء السعى بالمرأة المصرية إلى نظام العائلة، وبنظام العائلة إلى الرقى الاجتماعى، وانتهى إلى أن تحرير المرأة هو السبيل إلى استقلال البلاد.