بقلم - محمد أمين
«نيوزيلندا» بلد يقع فى أطراف الكرة الأرضية، ولكنه من أكثر بلدان العالم سعادة، تحكمه سيدة أربعينية شابة هى جاسيندا أرديرن.. أول مرة نسمع اسمها بعد حادث الاعتداء على المسجدين منذ سنوات، وقادت جاسيندا حملة ضد العنصرية بعد الحادث، ونزلت الشارع تقبّل المسلمات المكلومات، وتواسى أسر الضحايا!.
ميزة نيوزيلندا أنها تجتذب زوارها بفضل كونها أشبه بعالم زاخر بالتضاريس والمناظر الطبيعية المتغيرة باستمرار، يمكنك أن تجد فيها غابات وبحيرات وشلالات وممرات بحرية ضيقة وبراكين نشطة وينابيع مياه ساخنة وشواطئ تكسوها رمال بيضاء اللون وأخرى سوداء، فضلًا عن أنهار جليدية وجبال شاهقة وينابيع حارة، وغير ذلك!.
أما سبب هذا المقال فليس الدعاية السياحية لها، ولا أى شىء من هذا القبيل.. ولكن لأن رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن قررت أن تستقيل من منصبها كرئيس وزراء الشهر القادم، وقالت إن آخر يوم لها فى الحكم سيكون فى السابع من فبراير!.
لم يحدث ذلك لأن المعارضة كشفت فسادًا، أو أن البرلمان قدم استجوابًا انتهى بقرار الإقالة أو طلب التنحى!.. ولكنها قالت كلمة سيذكرها التاريخ لها، عندما قالت: «لم يعد لدى ما يكفى من الطاقة للقيادة».. وأعلنت جاسيندا ذلك بعد أن عادت من إجازة المصيف وقالت إنها فكرت فى مستقبلها وما تقدمه لوطنها، فرأت أنها لا تستطيع أن تقدم جديدًا ينفع الوطن.. وعندما عقدت مؤتمرًا صحفيًا، خنقتها العَبَرات أمام الصحفيين!.
مع أنهم انتخبوها كأصغر رئيسة وزراء وأعطوها ثقتهم، لم تمكث أكثر من خمس أو ست سنوات، وقررت أن تمضى بإراداتها.. ولو أنها استمرت، لما أحس بها أحد.. ولكن هذه هى فكرة المحاسبة التى لا تجعل مسؤولًا ينام، ومازالت تعمل بلا كلل، وعادت فى النهاية لتختار عائلتها على الخدمة العامة.. المهم أنها لم تفاجئ حزبها بالاستقالة، ولكنها أعلنت قبلها بوقت كاف، ليمضى حزب العمال فى انتخاب زعيم آخر!.
وقالت جاسيندا للصحفيين: «كنت آمل أن أجد ما أحتاجه للاستمرار خلال تلك الفترة.. لكن للأسف لم أجده، ولن يعود استمرارى بالنفع على نيوزيلندا».. هذه كلمات للتاريخ، وهذه هى الأمانة، وهذه هى المسؤولية، فلم تحرق الأرض ولم تتركها خرابًا.. هذه هى جاسيندا أصغر رئيسة حكومة فى العالم عندما تم انتخابها رئيسة لوزراء نيوزيلندا عام 2017 عن عمر 37 عاما، وهى ثانى زعيمة عالمية منتخبة تلد أثناء وجودها فى المنصب، والتى قادت بلادها خلال جائحة كورونا، والركود الاقتصادى الذى تلاها، وإطلاق النار على مسجد كرايست شيرش، وقالت إن العمل كان مرهقًا للغاية!.
وختمت بقولها: «إن قيادة بلدك خلال أوقات السلم شىء، وقيادة بلدك خلال الأزمات شىء آخر»، وأضافت: «نحن بحاجة إلى مجموعة جديدة من الأكفاء لهذا التحدى».
وأخيرًا، هذه سيدة تستقيل فى أوج نشاطها وتألقها وترى أنها لا تملك طاقة للاستمرار، مع أن أحدًا لم يطالب بإقالتها، لا المعارضة ولا البرلمان.. لذلك كانت نيوزيلندا من أسعد شعوب الأرض!.