بقلم : محمد أمين
أكتب لكم اليوم عن فيلسوف الكسل.. وهو بالمصادفة كاتب فرنسى من أصل مصرى أو بالأصح كاتب مصرى من أصل سورى يكتب بالفرنسية اسمه ألبير قصيرى ولد فى حى الفجالة بالقاهرة كانت عائلته من الميسورين حيث إن والده كان من أصحاب الأملاك. كان ألبير يقول: «نحن من شوام مصر. والدى أرثوذكسى من بلدة القصير قرب حمص فى سوريا. انتقلت العائلة إلى مصر أواخر القرن التاسع عشر»!
تلقى ألبير قصيرى تعليمه فى مدارس دينية مسيحية قبل أن ينتقل إلى مدرسة الجيزويت الفرنسية، حيث قرأ لبلزاك وموليير وفيكتور هوغو وفولتير وغيرهم من كبار الكتّاب الفرنسيين الكلاسيكيين!
كانت فلسفة ألبير قصيرى فى حياته هى فلسفة الكسل، كان عاطلًا بالوراثة مثل كثيرين نعرفهم هنا، لم يعمل فى حياته وكان يقول إنه لم ير أحدًا من أفراد عائلته يعمل.. الجد والأب والأخوة فى مصر كانوا يعيشون على عائدات الأراضى والأملاك، أما هو فقد عاش من عائدات كتبه وكتابة السيناريوهات، وكان يقول (حين نملك فى الشرق ما يكفى لنعيش منه لا نعود نعمل، بخلاف أوروبا» التى حين تملك ملايين نستمر فى العمل لنكسب أكثر!
وأتاح له ذلك زيارة العديد من الدول مثل أمريكا وإنجلترا وعمل فى البحرية التجارية ما بين عامى ١٩٣٩ و١٩٤٥ عندما كان فى السابعة عشرة من عمره، قبل أن يقرر الاستقرار فى فرنسا وكان حينها فى الثانية والثلاثين من العمر!
عاش ألبير قصيرى طوال حياته فى غرفة رقم ٥٨ فى فندق لا لويزيان بشارع السين بحى سان جيرمانا حتى وفاته، واختار العيش فى غرفة فندق لأنه كان يكره التملك حيث كان يقول (الملكية هى التى تجعل منك عبدا)!
تزوج قصيرى من ممثلة مسرحية فرنسية، ولكن لم يدم هذا الزواج طويلًا وعاش بقية حياته أعزب وحين كان يسأل عن السعادة كان يقول أن أكون بمفردى!
تعرف ألبير قصيرى على البير كامى وجان بول سارتر ولورانس داريل الذين أصبحوا فيما بعد رفقته وصحبته اليومية طوال ١٥ عاما فى مقهى كافيه دو فلور، حتى وفاته عندما أصيب بسرطان الحنجرة.. فقد قدرته على النطق وكان يجيب عن أسئلة الصحفيين كتابة.
لم يطلب ألبير قصيرى الحصول على الجنسية الفرنسية على الإطلاق وكان يؤكد (لست فى حاجة)
ولست فى حاجة لأن أعيش فى مصر ولا لأن أكتب بالعربية، فإن مصر فى داخلى وهى ذاكرتى!
وقيل إنه حصل على جائزة فلم يذهب ليحصل عليها ورفض لأنه كسل أن يذهب إلى الحفل!
السؤال لماذا لم يهتم به النقاد فى مصر ولم نسمع عنه مع أنه مصرى ولم يحصل على جنسية غيرها وأظن أنه ظلم لأنه لم يكن فرنسيًا ولكنه كان يكتب بالفرنسية، وظل مصريًا وإن كان لا يكتب بالعربية، وعاش فى عصر طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وغير هؤلاء!