بقلم : محمد أمين
رحلة سيوة تشبه عندى رحلة النوبة، فهى رحلة تثقيفية وعلاجية وتعليمية.. البعض ينحاز إلى سيوة، ولكن هناك عشاقًا للنوبة بكنوزها أيضًا.. نفس عشاق سيوة ينحازون إليها.. يقولون إن رملها ذهب، وخصائص الرمل هنا تصلح لعلاج كل شىء، وتختلف أيضًا عن سفاجا.. الأعجب أنك حين تظن أنك سافرت وغامرت وخاطرت بقطع مسافات طويلة تجد إلى جوارك بعض الأجانب يدرسون كل شىء من عادات الشعوب، ويحصلون على جرعات من العلاج الطبيعى وصولًا إلى الحجامة، ثم يدونون كل الملاحظات فى دفاتر يعودون بها إلى بلادهم!.
ولا أنسى طيبة أهل النوبة عندما زرتها أكثر من مرة وهم يحاولون التأكيد على أن أعشاب النوبة صالحة لكل شىء.. أيضًا أهل سيوة الذين يتحدثون الأمازيغية كأنها لغة أولى يُشعرونك بمحبتهم وترحيبهم وتقديم كل ما يستطيعون من خدمات لتذهب إليهم فى الموسم.. والموسم يبدأ عندهم من منتصف شهر يونيو إلى منتصف شهر سبتمبر.. وهذه الأيام تكثر فيها أعداد الزائرين ليمارسوا طقوسهم فى عملية الدفن فى الملح والرمل!.
وأهم مَن رصد هذه العادات كان الكاتب الكبير الراحل جمال الغيطانى، فكان يستمع إلى الناس فى الصعيد والنوبة، ويسجل ما يقولونه، ويروى الحكايات كما يروونها.. بإيمان كامل أنها حقائق وتاريخ.. وأظن أنه لو ذهب إلى سيوة لكان قد ترك لنا تراثًا عظيمًا من حكايات أهل سيوة.. كيف نشأت شالى؟.. أى البلد.. وكيف بقيت؟.. وما هى الحروب التى خاضوها؟.. وربما كان يسجل قصة الهجرات القادمة من المغرب العربى فى رحلة الحج، والأمازيغية فى سيوة.. فقد كان رحمه الله يسجل التراث ويؤمن به ويرى أنه عثر على كنز!.
لم أسأل الدكتور زاهى حواس إن كان قد زار آثار سيوة أم لا؟.. وإن كان قد تعاطى كورسات العلاج الطبيعى هناك أم لا؟.. لكنك تشعر بوجوده فى كل مكان.. سواء فى عرض الآثار أو فى طريقة الشرح، لدرجة أننى أطلقت على أحد شباب سيوة أمس أنه زاهى حواس الواحة.. فهو شاب مثقف ومتعلم يعرف تاريخ شالى.. أى البلدة العتيقة، ويحفظ تراث الأجداد ويرويه بطريقة محببة، وأعتقد أنه مرجع لمعظم الدارسين لتاريخ سيوة!.
كنوزنا ممتدة بامتداد الأرض.. من سيوة إلى النوبة وفى كل محافظة عندنا مناطق أثرية عظيمة.. لكن الاهتمام بها يحتاج إلى دفعة كبرى خاصة فى سيوة.. هناك مزارات رائعة، سواء لمعبد آمون أو معبد الوحى وعين كليوباترا وجزيرة فطناس التى تشاهد منها غروب الشمس كأنك جزء من المشهد.. وهذه الجزيرة يتم تجفيفها الآن للأسف.. وقد انتشرت على وسائل التواصل رسائل عن سبق إصرار وترصد لتجفيف البحيرة، فأصبحت الأرض ظاهرة والماء ينحسر عنها.. وقد اهتمت بالقصة بعض وكالات الأنباء، مع أن ذلك غير صحيح.. قد يكون هناك إهمال ولكن ليست هناك مؤامرة!.
سيوة ستبقى عظيمة وكنوزها رائعة، وقد أصبحت على خريطة السياحة العالمية، فشجعوها كى تقف على أقدامها.. وهناك محاولات رائعة لاستقدام كبار قادة العالم ليعيشوا فيها بعض الأيام فى حضن الطبيعة بعيدًا عن وسائل الاتصال الحديثة والكهرباء، فيستخدموا الملح فى كل شىء.. وتُضاء الشموع فيها وليس الكهرباء.. العالم كله يحنُّ إلى لحظة بدائية راقية.. وليس ذلك فى أى مكان إلا فى سيوة