بقلم : محمد أمين
بحثت عن تفسير مقبول لقدرتنا على النوم فى سيوة بدون مروحة أو تكييف.. اكتشفت أنها طريقة البناء والعمارة فى سيوة، فالمبانى معظمها من طابق واحد على طريقة حسن فتحى (القباب). والطراز المعمارى فى سيوة يميزها بيئيًّا وسياحيًّا. وتتميز واحة سيوة بطابعها المعمارى البيئى والتراثى الفريد، حيث يتم الحفاظ على الطابع المعمارى القديم، ويتم بناء المنازل والمنشآت العامة والخاصة، بما فى ذلك الفنادق والمنتجعات السياحية على نفس النسق والطابع المعمارى، باستخدام مادة الطين الممزوج بالملح، ما يُطلق عليه اسم
«الكرشيف» باللهجة السيوية.. وتميزت الواحة باستخدام هذه المادة دون غيرها، وهذا ما حافظ على طابعها المعمارى والتراثى!.
ومازلت أتساءل: كيف تحملنا درجات الحرارة القاسية بلا استخدام وسائل حديثة؟!، ويكفى أن تجلس فى ظل شجرة أو نخلة أو خيمة تتحول إلى مكان بارد فى لحظة!.. هل عرفت السبب؟.. إنها مادة الكرشيف، التى تحول كهف الملح إلى مكان بارد يصلح للحياة!.
تذكرت أيضًا نموذج حسن فتحى لبناء القباب فى المناطق الصحراوية، ووجدت أنه يحول المكان إلى واحة من الجمال فورًا، وعُدت بالذاكرة إلى مدينة شالى القديمة، فهى مبنية بالطريقة نفسها، ولعلها التى استوحى منها المهندس حسن فتحى نظريته، فهى الأقدم على أى حال، والتى تم بناؤها من الكرشيف؛ وهى مادة من الطين والملح تحافظ على حرارة المبنى صيفًا وشتاءً!.
عندما ذهبت أول مرة كنت أتخيل أننى سأجد فيها الفنادق الحديثة، ولكننا مررنا على بيوت تشبه بيوت الفلاحين فى الخمسينيات.. ثم انتهى بنا المطاف فى واحد منها.. فتساءلت: كيف يأتى الملوك والأمراء إلى هنا يجلسون على ضوء القمر والشمع، فى غرف بسيطة وأسرة عادية؟.. بعد قليل رددت على نفسى بأنهم يبحثون عن إجازة ليست فيها رفاهية، وإنما لتحميص الجسد فى الرمال والملح، والبقاء فترة فى بيئة طبيعية لا شىء فيها من الحداثة، ولو أرادوا لكانت.. وأظن أن القذافى هو الذى حافظ على تراثه أكثر، واصطحب معه الخيمة والجمل فى كل مكان لينشر ثقافة البيئة!.
وأعتقد أن سبب اختيار السيويين القدماء لمادة الكرشيف لتميزها بخصائص تتناسب والبيئة المحيطة، والعوامل الجوية والمناخ الحار جدًّا صيفًا والدافئ شتاءً، حيث تحافظ المواد المستخدمة فى البناء على درجة حرارة المبنى صيفًا وشتاءً.
والحقيقة أننى لم أجد أثرًا للمحليات فى المكان غير طريق يجرى رصفه منذ سنوات، ولم يكتمل حتى الآن!. ويجرى حاليًا تنفيذ المشروع الأثرى البيئى لترميم وإحياء قلعة شالى القديمة، التى تتوسط الواحة، حيث تم تنفيذ أعمال الترميم وإعادة تأهيل المسجد القديم!.
وهناك كل شىء على طبيعته منذ عشرات السنين، حتى عندما زرت جزيرة فطناس، كانت على طبيعتها منذ نشأتها، فأشجار النخيل قديمة، بعضها تهالك وقديم، وهناك النخلة الساجدة.. ويزور المنطقة عشرات السياح ليراقبوا لحظة الغروب فى واحة الغروب، حيث تغرب الشمس فى موعدها، وتظل تختفى حتى يُخيل إليك أنها تسقط فى البحر لتستحم، لتعود وتشرق من جديد!.