بقلم : محمد أمين
ليس هناك سبب واضح لهذا الموضوع.. فهو نفسه يحدث بلا سبب، وفى الثقافة الإفريقية يراه البعض مثل الماء والهواء بالنسبة للإنسان؛ فهم يرقصون بسبب وبلا سبب. يحدث ذلك في الأفراح وفى المآتم، في الحرب وفى السلم، في أوقات الجفاف ومواسم الفيضان، فهو ليس رقصًا بالمعنى الذي نعرفه، وإنما تعبير عن المشاعر، فرحًا وحزنًا، أمنًا وخوفًا!.والرقص مسألة تراثية مرتبطة بالعادات والتقاليد، وأقرب شىء لهذا المعنى جنازة الشحرورة في لبنان وجنازة الفنان جورج الراسى أيضًا. هذا المشهد تابعناه واندهشنا أن هناك من يرقصون في حضرة الموت!
أشقاؤنا الأفارقة يفعلون هذا، ويبدو أن أشقاءنا في لبنان تأثروا بهذه الثقافة بدرجة أو بأخرى، ربما عقب هجرات معينة إلى إفريقيا، أو باعتقاد أن الحياة الحقيقية تبدأ بعد الموت، فلا يوجد سبب للحزن لأن الموت حق!.
وقبل أيام نظم الصالون الإفريقى ندوة عن الرقص في الثقافات الإفريقية، استعرض خلالها الحاضرون الرقصات في بلدانهم، وشرحوا أن لكل مناسبة إنسانية تقريبًا رقصتها. وقالوا إن الرقص ليس تعبيرًا عن الفرح فقط، وإنما عن مختلف المشاعر حزنًا وفرحًا، وخوفًا وأمنًا، وسلمًا وحربًا. لذا تجد رقصة الحرب ورقصة الموت، رقصة المطر ورقصة الجفاف!.
وقال أحد الحضور من إفريقيا الوسطى إنه قد لا يكون هناك سبب محدد للرقص، فهم يرقصون في الصباح وفى المساء. وفى قلب مناقشة سياسية جادة، قد يفاجئك أحدهم بالوقوف والانطلاق في الرقص فيستجيب له الحضور بالرقص.. قد يكون ذلك نوعًا من الاحتجاج أو ليعطيك إشارة على انتهاء المناقشة!.
والمعنى أن البشر لا يرقصون في لحظات الفرح فقط، وإنما يعبرون بأجسادهم عن لحظة يعيشونها. وهناك سؤال: لماذا لا يرقصون في الشمال كما يرقص شعوب الوسط الإفريقى والجنوب الإفريقى؟
هناك تفسير قدمه المشاركون بأن الرقص يعكس حالة تصالح بين الجسد والطبيعة، الجسد والأرض.. بالتأكيد هذه ليست دعوة للرقص وإنما استفسار يمكن أن يرد عليه علماء الأنثروبولوجيا.
المثير أن هناك ما يطلق عليه العلاج بالرقص، والذى يعمل على التخلص من المشاعر السلبية من خلال انطلاق الجسد في الرقص، وهى ذاتها فكرة رقصة الزار المنتشرة بمناطق ريفية في مصر والسودان وجنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا!.
وقد عرفنا مؤخرًا فكرة العيادات الفنية للعلاج بالرقص والغناء، والرقص هنا أداء فنى، وليس الرقص الشرقى المعروف.. وقلت إنه يشبه الرقص الصوفى مثلًا، وهو موجود في المغرب، ويختلف عن الرقص الشرقى في مصر وليس هو الرقص الذي أتحدث عنه.. إنه الرقص الذي يحدث بدون مناسبة مثل الأفراح.. فالرقص من غير سبب ليس قلة أدب، كما نقول الضحك من غير سبب قلة أدب، مع أن الكآبة من غير سبب هي قلة الأدب