بقلم : محمد أمين
أشعر بظلم كبير للإمام محمد عبده حين أشرت إليه في مقال من 400 كلمة.. فقد كانت سيرته من الثراء بحيث تملأ الكتب، وأشعر بظلم لنفسى فمهما كانت قدرتى على الاختزال فلن أستطيع أن أوفيه حقه في مساحة مقال صغير.. لكنها تبقى فكرة عن الإمام، فأنا لا أقدم دراسة أو بحثًا عنه.. إنما فكرة قد يستضىء بها القارئ الذي لديه رغبة البحث.. فهى كلمة مفتاحية لرائد من رواد التجديد والنهضة العربية والإسلامية!.
ولذلك عدت اليوم لأكتب بعض الإشارات عن نضاله السياسى والفكرى، فهى المقصودة من الكتابة عنه بالطبع.. فقد كان الإمام أحد أعمدة التجديد في الفكر الإسلامى، وأحد دعاة الإصلاح، وواحدًا من أعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة، الذين حرروا العقل العربى من الجمود وبعث الوطنية بالقول والعمل، وكان ممن شاركوا في ثورة عرابى، وكان أحد أقطاب مدرسة إحياء الاجتهاد الفقهى لمواكبة التطورات السريعة في العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره في مختلف النواحى السياسية والاقتصادية والثقافية!.
شارك في ثورة عرابى ضد الإنجليز عام 1882، وبعد فشل الثورة حُكم عليه بالسجن ثم النفى إلى بيروت وباريس، فخدمته هذه السنوات في التعرف على المدارس الفقهية والعلمية، والتقى بتلميذه اللبنانى محمد رشيد رضا الذي دُفن إلى جواره في مقابر صلاح سالم، بعد وفاته!.
وفى باريس أسس صحيفة العروة الوثقى مستفيدًا من تجربته السابقة في رئاسة تحرير الوقائع المصرية، وكتابته في صحيفة الأهرام وغيرها، ثم التقى جمال الدين الأفغانى في باريس، ثم عاد إلى مصر بعفو من الخديو توفيق وبوساطة من تلميذه سعد زغلول الذي توطدت علاقته به في الوقائع المصرية!.
وربما تلاحظ أن الإمام محمد عبده ذهب إلى باريس، وبذلك يشترك هو والأستاذ رفاعة الطهطاوى في علاقته بالثقافة الفرانكوفونية، كما عمل بالصحافة وكان معه سعد زغلول، وهى النخبة التي غيرت وجه مصر رغم النظام الحديدى في تلك الفترة!.
في هذه السطور أرصد محطات في تاريخ الإمام، ولا أتوقف أمام السيرة الذاتية بكل ما فيها، وأعتقد أن الأمور لو كانت طبيعية ما كانت هناك علاقة للشيخ بالأزهر الذي تركه في بدايته لولا أبوه والشيخ خضر درويش وبعده الشيخ حسن الطويل، الذي وضعه على التراك!.
وهنا يتفق الإمام مع الأستاذ رفاعة الطهطاوى في وجود طرف ثانٍ في حياته غيَّر كل معالم هذه الحياة، فالأستاذ رفاعة كان مدينًا في مشواره لعلاقته بالشيخ حسن العطار والشيخ محمد عبده كان مدينًا بعلاقته بالشيخ خضر درويش والشيخ حسن الطويل!، وبعدهما بالسيد جمال الدين الأفغانى الذي وجده شخصية جاهزة، ووجد فيه قدرة على التغيير لم يجدها في غيره، وكان يقول له: من أي أبناء الملوك أنت؟!.
وحين عاد عمل مفتيًا للديار المصرية ولم يستبعدوه فأتيح له أن يجدد الفكر الإسلامى، وأن يبث الروح الوطنية في نفوس المصريين، ولا أبالغ إذا قلت إن أول من استفاد من ذلك سعد زغلول ورفاقه، وكل هؤلاء كانوا من زوار باريس قبلة ذلك العصر!.