بقلم : محمد أمين
من وقت لآخر، كنت أتواصل مع أساتذتنا من جيل الكبار لأخذ المشورة، كنت أفعل ذلك منذ سنوات مع الأستاذ إبراهيم سعدة، وهو الصنايعى الكبير، الكاتب العنيد، والأستاذ محمد العزبى، الحكيم الهادئ، والأستاذ سلامة أحمد سلامة، الجورنالجى المعتز بمهنته وكرامته، وكنا نتناقش في قضايا المهنة وقضايا الوطن.. وهذه الأيام، أتواصل مع الأستاذ رجب البنا، وفى الحقيقة هو صاحب المبادرة بالاتصال، وأشكره عليها.. وفوجئت أنه يتابعنى، حتى عندما رجعت إلى الكتابات التاريخية!.
قال: لقد تابعتها.. إنها كانت مفيدة للكبار والشباب، فقلت له: لقد كانت حالة هروب.. قال: بالعكس.. التاريخ فيه دروس كثيرة.. واليوم، أعود إلى الكتابة عن الكاتب إبراهيم عبدالقادر المازنى، فهو شاعر وناقد وصحفى وكاتب روائى من شعراء العصر الحديث، عُرف كواحد من كبار الكُتّاب في عصره، كما عُرف بأسلوبه الساخر سواء في الكتابة الأدبية أو الشعر، واستطاع أن يلمع، على الرغم من وجود العديد من الكُتاب والشعراء الفطاحل في زمانه!.
فقد عاصر المازنى رموز عصره، مثل العقاد وطه حسين، وعاصر الكثيرين غيرهما، ولكنه حفر اسمه إلى جوار هؤلاء بحروف من ذهب، وخاض المازنى كغيره من أبناء جيله من الأدباء معارك أدبية ضخمة، منها معركته الشهيرة مع الكاتب عبدالرحمن شكرى، والتى اتهم فيها الأخير نظيره الأول بسرقة أشعاره!.
وإذا أردت أن تعرف شيئًا عن هذه المعارك، فلابد من قراءة كتاب «المعارك الأدبية» للكاتب أنور الجندى، فإن تلك المعركة أضخم معركة أدبية في ميدان الشعر المعاصر، بدأت 1917.
واستمرت سبعة عشر عامًا، حيث بدأ الشعراء الثلاثة «شكرى والمازنى والعقاد» حياتهم الفكرية معًا، ثم اختلف العقاد والمازنى مع شكرى، الذي قصر عمله على وظيفة التعليم، بينما عمل المازنى والعقاد في الصحافة، ثم كان من نصيب شكرى أن يهاجم في أول عمل نقدى للمدرسة الحديثة، وهو «الديوان»، وقد حمل المازنى لواء الحملة على شكرى بجوار حملة العقاد على شوقى والرافعى!.
وكان مقال «صنم الألاعيب» من أقسى ما كتب المازنى، ثم عاد فصحح موقفه من شكرى عام 1930، حيث أعلن رأيه فيه وصحح موقفه، وعاد إلى الكتابة مرات في هذا الأمر، حتى أثار العقاد، الذي دخل المعركة مصححًا لما وقع، ثم صدر كتاب «رسائل النقد» للدكتور رمزى مفتاح حول هذه القضية!.
قال عبدالرحمن شكرى، في مقدمة ديوانه «الجزء الخامس»: «لقد لفتنى أديب إلى قصيدة المازنى التي عنوانها (الشاعر المحتضر) البائية، التي نُشرت في عكاظ، واتضح لنا أنها مأخوذة من قصيدة أودنى للشاعر شيلى الإنجليزى..».
والحمد لله أن هذه المعارك مسجلة في كثير من الدوريات والكتب.. فهى تعكس حالة الأدب في ذلك العصر ورموزه، وكيف فجّر العقاد كل هذه المعارك بشكل مباشر أو بدفع آخرين إلى هذه المعارك، التي انتهى بعضها بالصلح، واستمر كثير منها شاهدًا على العصر!.