بقلم : محمد أمين
مازلنا في شهر المولد وذكراه العطرة.. والمولد في الصعيد له طعم تانى وشكل تانى، كما تغنى نجاة الصغيرة.. وفى منشأة العمارى أصبح المولد ماركة مسجلة عمرها قرن من الزمان.. بدأ من جدود الجدود، واستمر حتى الجيل الحالى، وتوسع بطريقة عصرية ومختلفة.. وفى ذكرى مولد المصطفى، «ص»، يختلف الاحتفال بالميلاد العظيم من قرية إلى قرية، ومن قبيلة إلى قبيلة.. عموم المسلمين يحتفلون بالذكرى يومًا، ويحصلون على يوم إجازة، مثل كل المناسبات التاريخية!.
أما بعض القرى في صعيد مصر فتحتفل به شهرًا.. منهم مَن يحتفل به من أول شهر ربيع الأول، ومنهم مَن يحتفل به من أول شهر ربيع حتى يوم الثانى عشر فتكون الليلة الختامية، ومن هذه القرى منشأة العمارى في الأقصر، والتى تحتفل بمولد النبى من أول الشهر حتى يوم 12 ربيع الأول.. ويذهب إلى هناك كل عشاق مولد النبى من الصعيد ومحافظات الوجه البحرى!.
ويلتقى المحتفلون في ساحة العمارى الكبرى، ويقومون بإنشاد الأناشيد الدينية والتراثية، ويلعبون ألعابًا صعيدية مثل التحطيب والخيل في المرماح، ويعزفون المزمار البلدى، ويُشيعون جوًّا من البهجة، وهو جو احتفالى بذكرى ميلاد المصطفى، «ص»، ويشارك فيه الرجال والنساء والأطفال والخيّالة والمنشدون!.
وهى عادة سنوية ترجع إلى عام 1922 من تاريخ الجدود، دون انقطاع، كما يقول الحاج عبدالهادى العمارى، ويتم ذبح الذبائح وإطعام الطعام وتوزيع الحلاوة على الحضور، ويبدأ شباب القرية في استقبال الضيوف، فكل واحد له مهمة ودور حسب قدرته في الاستقبال والتسكين والغذاء والسقاية، ويتغير الدور من عام إلى آخر!.
وتبدأ الاحتفالات بكبرى مسابقات المرماح والخيول، ويتم تجهيز الساحة لهذه الرياضات، التي يحبها أهالى الأقصر والصعيد عمومًا، ويصاحبها المزمار البلدى والأناشيد الدينية والتراثية العربية، في إطار تنظيم كبير وإعداد جيد يتولاه شباب القرى بكل الحب للرسول، صلى الله عليه وسلم.. والخيول ترقص على نغمات المزمار ودقات الطبول، وتبدأ الاحتفالات من بعد وقت العصر إلى غروب الشمس، ليس قبل ذلك نظرًا ًلارتفاع الحرارة، وليس بعد ذلك لتأمين المشاركين في الاحتفالات!.
وتبدأ فقرات أخرى من السمر والحكايات وتقديم وجبات الطعام للضيوف، في جو من البهجة والمحبة والألفة، ويقومون للصلاة والدروس الدينية والصلاة على الحبيب، «ص»، وهكذا تستمر الطقوس والذكر حتى ساعات من الليل، وهم يفعلون ذلك لجذب الشباب إلى الدين بعيدًا عن الأشياء الأخرى!.
جو من المتعة لا يمكن وصفه، وهو أقرب إلى الأجواء التي سجلها المؤرخ الكبير جمال الغيطانى في صعيد مصر، في ساحات مختلفة، مثل ساحة الطيب في البر الغربى وساحات كثيرة، بكل ما يدور فيها للتاريخ تقديرًا لها ولأصحابها أصحاب الفضل!.