بقلم - محمد أمين
فى تراثنا قصص ملهمة، أبطالها لم يستسلموا للظروف التى عاشوها، وإنما خلقوا حياة أفضل.. بطل اليوم هو على باشا إبراهيم، ابن فلاح، وأمه فلاحة، اسمها مبروكة، وكان لها من اسمها نصيب.. وُلد على إبراهيم فى الإسكندرية فى 10 أكتوبر 1880، وكان والده إبراهيم عطا فلاحًا من إحدى قرى مدينة مطوبس بكفر الشيخ، وأمه هى السيدة مبروكة خفاجى، وكانت أيضًا فلاحة من مطوبس!.
عاش أقرب إلى اليتيم بعيدًا عن والده، الذى طلق أمه، فعاشت أمه تبيع الجبن وتصرف على ابنها وألحقته بالتعليم، فأنجز الشهادة الابتدائية، وظهر والده بشكل عابر فى حياته ليأخذه ويوظفه بالابتدائية، فهرّبته أمه على سطوح الجيران، وأخذته بعد ذلك ليُكمل تعليمه.. وانتقل مع أمه إلى القاهرة لتعمل عند أسرة السمالوطى باشا، وهى من الأسر الكبيرة، فتولته بالرعاية، فالتحق بالقسم الداخلى فى المدرسة الخديوية بدرب الجماميز ليستكمل دراسته، ثم التحق بمدرسة طب قصر العينى عام 1897 وتخرج فيها عام 1901.
كانت الخطوة الكبرى فى مسيرة على إبراهيم الطبية هى نجاحه فى علاج السلطان حسين كامل من مرض عضال بإجراء عملية جراحية ناجحة له، أنعم السلطان عليه بعدها بلقب جراح استشارى الحضرة العلية السلطانية!.
انتُخب لعضوية مجلس النواب، واختير عميدًا لكلية الطب عام 1929 ليكون أول عميد مصرى لكلية طب قصر العينى، وقد فتح على باشا إبراهيم الباب أمام الفتيات المصريات لدراسة الطب. وفى يناير 1930 ألف الجمعية الطبية المصرية، عقب اجتماع دعا هو وزملاؤه إلى عقده، حيث أصدروا المجلة الطبية المصرية!.
أصبح على باشا وزيرًا للصحة، وأول نقيب للأطباء، كما عُين مديرًا لجامعة فؤاد الأول.. وأصبحت له مدرسة فى الطب له تلاميذ يعترفون بفضله.. وجه العجب والدهشة أن ابن بائعة الجبن لم يستسلم تحت أى ضغط ولم تسستلم أمه، ووقفت بجواره حتى أصبح اليتيم باشا بجدارة، وأصبح طبيب السلطان، ثم أصبح وزيرًا للصحة. كانت الدنيا مفتوحة لمَن يتعلم، قبل أن يصبح العلم لا يُكيَّل بالبدنجان!.
كان هؤلاء هم رموز المجتمع وعظماء مصر، أيام سعد زغلول ومصطفى النحاس وأحمد شوقى وحافظ إبراهيم وأم كلثوم وعبدالوهاب ورياض السنباطى، الذين يُشار إليهم بالبنان، قبل زمن شاكوش وحمو بيكا وكزبرة وغيرهم من رموز مصر الحديثة!.