بقلم : محمد أمين
تفتكر فيلم المليونيرة الحافية، الذي لعبت فيه الفنانة هالة فؤاد دور البطولة.. مع صلاح ذوالفقار وهدى رمزى، وأخرجه ناجى أنجلو، وسيناريو وحوار ماجدة خيرالله، 1987.. وكان اختيار هالة فؤاد ليتعاطف معها الجمهور؟!.. هذا الفيلم تكرر بنفس الطريقة هذه الأيام في الحقيقة لسيدة صعيدية، تُدعى «غوايش»، في مركز الوقف بمحافظة قنا!.
صحيح أن المليونيرة الحافية كانت تملك ألماظة، قيمتها مليون جنيه، أخذتها من بيت ثرى، قالت إنها قريبته، وفى النهاية سلمت المجوهرات إلى البوليس، وقالت إنها حرامية أو نشالة، ولكن «غوايش» هنا تمتلك من عملية التسول مليون جنيه فكّة.. الطريف أن أهلها تركوها، وهجروها، ولكنهم في نهاية المشهد لم يجدوا مشكلة في تَقاسُم ثروتها، التي جمعتها من عطف الناس عليها وحبهم لها!.
الست غوايش لها قصة تُدمى القلوب، فهى لم تخدع الناس وتأخذ منهم أموالهم.. ولكنها ست غلبانة، اسمها خيرية، كانت تتمتع بسمعة طيبة بين الناس، وتحب الخير، وكان جيرانها يشهدون لها بالطيبة والخير، ولذلك كانوا يعطفون عليها.. كانت تعانى هجر الأهل والأشقاء، فتلقاها أحد الناس الطيبين، وأعطاها مكانًا عنده تعيش فيه، دون أن يأخذ منها شيئًا.. المثير للدهشة أن هناك أقوالًا تؤكد أنهم رفضوا دفنها في مقابر الأسرة، ودفنوها في مقابر الصدقة، لكنهم استحلوا مالها، ووزعوه طبقًا للميراث الشرعى!.
لا ألوم على الست غوايش لأنها جمعت كل هذه الثروة من البسطاء، ولا أتهمها بالغش والنصب.. فقد كانت حالتها تدعو إلى العطف فعلًا.. ولو أنها كانت تلبس ملابس جديدة لمَا عطف عليها أحد.. أذكر وأنا في مرحلة الجامعة كنت أمر يوميًّا على متسول يثير في نفسى الألم، فقررت أن أعطيه مصروفى الشهرى وبعض التحويشة، ربما يساعده على البيع والشراء أفضل من التسول.. وهمست لأخى الأكبر بهذا القرار، فقال إنه لن يكف عن التسول.. التسول أكسب له من البيع!.
ثم شرح لى أنه بهذه الحالة يكتسب عطف الناس، فيعطونه، ويكتسب عطف المطاعم والمحال، فيقدمون له الأكل طوال اليوم.. فقلت: على الأقل، أشترى له جلابية جديدة، قال أخى: إنه لن يلبسها، ولو أنه غيّر ملابسه البالية فلن يعطيه أحد أي شىء.. الأفضل أن يبقى كما هو حتى يعيش بشكل جيد، ويجد قوت يومه.. صحيح أنه لن يشعر بالثروة مثل «غوايش»، ولا يعمل بها أي شىء.. لكنه سيعيش(!).
نعود إلى الست غوايش، فهى ليست مليونيرة، والكلام فيه مبالغة.. ربما عندها فلوس، لكن ليس عندها ملايين، فهى تعيش في بيئة فقيرة، تأكل مما يأتيها، والباقى تحوشه في صفيحة قديمة.. يحكى شهود العيان أن ثروتها ليست بالملايين.. ولكنها جنيهات، يصعب عدّها، جمعتها جنيهًا جنيهًا، يبدو أنها كانت تحوشها ليوم موتها وتجهيزها دون حاجة لأحد!.
عاشت «غوايش» وحيدة شريدة، وماتت فقيرة لا تملك شيئًا غير اسمها «غوايش»، تُذكرنا بالمليونيرة الشحاتة. وهى غير المليونيرة الحافية، هالة فؤاد، والمليونيرة النشالة نورا.. فلا تظلموا المحتاجين بحجة أنهم مليونيرات، وأعطوا السائلين، ولو كانوا على ظهور الخيل