بقلم -محمد أمين
لم أكن أتخيل أن صديقى، العائد مؤخرًا من ألمانيا، مشغول بالأسعار مثلنا، رغم أنه مليونير.. يقول: ذهبت إلى الشيخ زايد لزيارة ابنى الطبيب، فوجدت على ناصية الحى الراقى محل خضروات وفاكهة فى منتهى الشياكة، كأنك فى أوروبا، فقلت لابد أن هذا التاجر يشوى الناس هنا بالأسعار.. لا أُخفى أننى كنت متحفزًا للدخول فى صدام، والاتصال بـ«حماية المستهلك»!.
وكانت المفاجأة عندما أرسلت السائق لشراء اليوسفندى والبرتقال، كان السعر أقل من العادى فى المنطقة التى أقيم فيها على كورنيش النيل.. فأغرانى ذلك بأن أشترى منه البرتقال والبطاطس والخس الكابوتشا والفراولة. وملأت «شنطتين» كبريين بالتساوى بينى وبين ابنى.. ودفعنى الفضول لأسأل المعلم عنتر: هل تكسب كويس؟.. قال: الحمد لله.. كيلو الموز من الغيط أو المزرعة بثمانين قرشًا، وأبيعه بخمسة عشر جنيهًا.. فضل ونعمة، وكيلو الطماطم بنصف جنيه، وأبيعه بخمسة جنيهات، أقل من جميع التجار حولنا.. والعملية حلوة وزى الفل!. الرحمة حلوة يا باشا.. فقال له: من منظر المحل، تصورت أنك تجزر الزبائن، وتلهب ظهورهم بنار الأسعار، قال عم عنتر: أعوذ بالله، الحلال حلو يا باشا!.
سألنى صديقى: لماذا لا تسلطون الأضواء على التجار المحترمين، وتعملون «قائمة سوداء» للجشعين والغشاشين؟.. قلت له: صاحبك كان تاجرًا محترمًا وعنده ضمير لا شك فى هذا، ولكنه مخالف لأنه لم يعلق الأسعار على البضاعة، ولو فعل ذلك ما كان لك أن تسأل أو تدخل معه فى نقاش، ولكن يبدو أنك ذهبت إليه وهو مازال يفرش قبل أن يستكمل الإجراءات، وبالمناسبة ربما يكون قد تخوّف من دخولك عليه، أو اعتبرك من التموين، فباع بسعر معقول!.
قال صديقى: لا أدرى، ولكن المشكلة تتكرر أيضًا مع سائقى التاكسى، والفرق ين سائق التاكسى وهذا التاجر أن بعض السائقين لا يُشغلون العداد، ولكنهم يشغلون القرآن، وهذا التاجر عنده ضمير، لا يبيع بأسعار مبالغ فيها، بدليل أنه قال لى سعر الجملة فى المزرعة، وهو عائد مربح جدًّا لكل التجار، ولكنهم يغالون فى البيع بأسعار أزيد من المعقول!.
على كل حال، لقد شعرت أن التاجر عنتر تاجر ملتزم يستحق التشجيع فعلًا، ويستحق أن يكون نموذجًا يحتذى به التجار، ولكن كيف تسمح الأجهزة الرقابية بهامش ربح مُبالَغ فيه، بينما السعر فى المزرعة معروف لكل الناس، والفلاح هو أقل مستفيد من زراعته؟!.
للأسف، نحن ليست لدينا أزمة اقتصادية ولكن لدينا أزمة ضمير.. فالتاجر الذى يشترى كيلو الموز بأقل من جنيه، ويبيعه بخمسة عشر جنيهًا، تاجر يستحق إغلاق المحل، كما أن كيلو البرتقال أبو نصف جنيه لا يصح أن يُباع بأكثر من خمسة جنيهات، فلماذا يُباع بعشرين جنيهًا فى بعض سلاسل الإمداد؟.. ولماذا تُباع الفراولة بـ150 جنيهًا حتى لو كانت تُزرع فى القمر، أو كما يُقال أورجانيك؟!.
هذه أسئلة تبادرت إلى ذهنى على هامش حديث صديقى، المهندس، العائد من ألمانيا، وتحتاج إلى إجابات من الحكومة ووزارة التموين و«حماية المستهلك»، لعل وعسى!.