بقلم - محمد أمين
من علامات حسن الخاتمة أن يموت الإنسان والناس تشهد له وتحزن عليه وتمشى فى جنازته، فالناس شهود الله فى الأرض.. يتذكرون طيبته وصدقه وروحه العذبة وتفانيه فى خدمتهم.. ومن هؤلاء الطيبين النائب الصديق محمود بكرى.. لا أتذكر متى عرفته أول مرة.. ولكننى حين عرفته كأنى أعرفه منذ سنوات طويلة وأرى فى عينيه الطيبة والصدق وأشعر فى كلامه بالصدق.. فهو لا يذكر أحدًا بسوء ولا يلمز أحدًا أو يغتاب أحدًا.. فهو متسامح وجميل ويأخذك بالأحضان حين تلتقيه!.
وقد بدت علاقته بالزملاء فى الوسط الصحفى من كتابات الزملاء عنه فى رحلة المرض.. وكانت الدعوات فيها كثير من الصدق الذى لا يتأثر بالعمل معه ولكن بطريقته فى الحياة.. عرفت بخبر مرضه من شقيقه النائب مصطفى بكرى، وساعتها سمعت دقات قلبى من الخوف عليه.. لكننى لم أتصور أن تكون النهاية، وأظن أن الكثيرين شعروا بالفجيعة عندما ذاع الخبر أنه مات!.
وفى لحظة الموت لا تخشى على الموتى، وإنما ينفطر قلبك على الأحياء.. وقد حدث شىء كهذا فى لحظة موت محمود بكرى.. فنحن نبكى أحيانا على الصغار الذين يتركهم الميت.. ولكن فى حالة محمود خشيت على مصطفى، فهو توأم روحه ونصفه الآخر فى كل المناسبات بحلوها ومرها.. وكانا يعملان يدًا بيد منذ أن جاءا من قريتهما فى جنوب الصعيد.. وسواء كنت تختلف مع مصطفى سياسيًا أو فى الرأى، فهناك لمسة إنسانية لا يمكن تجاهلها.. فهو يشارك فى كل العزاءات والأفراح.. لا يتأخر عن أحد.. ويفعل ذلك بكل الجدية والحب.. لا يفرق بين الزملاء ويقطع المسافات وقد ينام فى السيارة!.
وكان محمود يقوم بالواجبات الاجتماعية حتى أصبح الابتسامة التى تملأ المكان، وكان لا يقول إلا الكلام الطيب، ويبتسم دون أن يخوض فى حياة أحد بأى سوء.. وكل ذلك جعل له شعبية كبيرة بدت فى البكائيات على وسائل التواصل الاجتماعى.. كما بدت فى أعداد المشيعين لجنازته!.
وكانت العيون على مصطفى، رفيق الكفاح وشريك الرحلة، فراح يحمل جثمان شقيقه رغم الألم والوجع والإرهاق.. فلما أحس البعض به طلبوا أن يترك النعش، فلم يتركه حتى سقط مغشيًا عليه.. وظل يمسك بيده حتى آخر لحظة، كما أمسك بها طوال حياته.. ربنا يرحم محمود السيرة ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.