بقلم:مصطفى الفقي
هذا موضوع شائك على مستوى العالمين الإسلامى والعربى وأنا أريد أن أطرح هنا تصورًا مغايرًا لما تعودنا عليه كلما جرى هجوم على الإسلام الحنيف أو نبيه الكريم، إذ تخرج المظاهرات وتنتشر الاحتجاجات وقد يسقط ضحايا خلالها، لأن المساس بالعقيدة يستنفر أصحابها ويدفعهم لرد فعل غاضب وعنيف تكون نتائجه سلبية على الإسلام والمسلمين حيث نبدو وكأننا قد أصبحنا رد فعل لكل من يحك يده على أنفه كما يقول المثل الشائع مستفزًا المسلمين فى مشاعرهم على نحو يخدش إيمانهم الذى لا يتزعزع، ولقد اكتشفت أن تلك الحرب الاستفزازية موجودة منذ العصور الوسطى مثلما هى اليوم أو أكثر، وأن الإسلام كان مستهدفًا على الدوام ولم تتوقف الحملات ضده ولا الافتراءات على أتباعه، وقد قال لى أكثر من مرة أستاذ الفلسفة الإسلامية الراحل د.محمود زقزوق وزير الأوقاف المصرى الأسبق والذى درس فى أوروبا سنوات طويلة أن استهداف الإسلام من خلال أكاذيب المغرضين وافتراءات الحاقدين ليس جديدًا، بل عرفته عصور أخرى جرت خلالها محاولات تشويه الدين الإسلامى وبلغت حدودًا من الضراوة والقسوة ولكن الإسلام بشموخه ومكانته ظل عصيًا على أعدائه لا ينالون منه ولا يقدرون عليه، لذلك فإن الرسوم المسيئة إلى الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم – ليست جديدة ولا بنت الحاضر وحده بل هى تراكم عبثى لعقول مريضة ونفسيات متعصبة حاولت دائمًا أن تنال من الإسلام وأتباعه ولديها رواسب من مواجهات حروب الفرنجة المسماة خطأً بالحروب الصليبية، بينما المسيحية النقية منها براء، كذلك فإن مواجهة الأندلس عند سقوطه وطرد المسلمين منه كانت هى الأخرى محطة من محطات المواجهة التى تركت أثرًا سلبيًا على صورة الإسلام لدى من لا يعرفونه جيدًا ولا يدركون أعماق فلسفته المتسامحة والتى تتعايش مع الغير ولا تعادى الآخر، وإذا كان اليهود يصيبهم الفزع إذا جرى المساس بما يعتبرونه ساميًا مع أن ذلك جنس لا ينفردون به وحدهم فالعرب ساميون أيضًا ولكن الدهاء اليهودى تمكن من بلورة إحساس مريض يخصهم لابتزاز الغير وتصوير ما يسمونه بالسامية وكأنها قدس الأقداس، وأن أى نقد لخطايا اليهود وجرائم إسرائيل هو جريمة فى حق الجميع، ولقد تمكنوا من الحصول على تشريع أممى بتجريم العداء للسامية بينما مازلنا نحن المسلمين نسعى لاعتبار الإسلاموفوبيا جريمة موجهة ضد ذلك الدين السمح فى جوهره النقى ومعدنه السليم الذى جعل التفكير فريضة إسلامية وفتح باب الاجتهاد، واعتبر أن ما تجمع عليه الأمة فى وقت معين هو جوهر القرار المشترك لجموع تلك الأمة ما دام يصب فى مصلحتها ولا يتعارض مع غيرها، ولذلك فإن الذين يعادون الإسلام لا يدركون مراميه الحقيقية وأهدافه الصادقة، لقد مرت جنازة أمام النبى - صلى الله عليه وسلم – فانتفض واقفًا وقال له بعض الصحابة: لم يا رسول الله إن الجنازة ليهودى، فأجابهم بعبارته الخالدة: أوليست لنفس بشرية! لذلك فإن الذين يحرقون المصحف الشريف ويتطاولون على الإسلام الحنيف هم مدفوعون بجهل شديد وحقد دفين، ولهم أهداف خبيثة تسعى لتعويق الدين والعدوان على فلسفته العميقة ولكن الشيء الغريب هو أننا نسقط فى الفخ كل مرة ولا نفيق إلا ونحن موضع الشماتة فى بحيرة من الأكاذيب والأراجيف والافتراءات، لذلك فإننى أطالب مخلصًا بضرورة تغيير ردود الفعل الإسلامية تجاه الجرائم التى يرتكبها أعداء الإسلام مقتنعًا أنها فقاقيع فاسدة لا تلبث أن تنتهى وتصبح بغير أثر أما مظاهراتنا الصاخبة وصيحاتنا العالية فإنها تحسب علينا وتغرى الآخر بالتمادى فى استفزازنا، فلو لم يكن هناك رد فعل كبير لدى المسلمين عن كتاب سلمان رشدى ما عرف عنه الناس اسمه ولا ما كتبه ولا ذاع صيته إلا بردود فعلنا والتفرغ لإدانة ما يقال ضدنا غير مدركين أن ذلك هو الهدف من فعلتهم الشنعاء وجريمتهم المتكررة التى تعكس الحقد الدفين على دين ينتشر أتباعه فى أنحاء الكوكب وترتفع مآذن مساجده فى أنحاء الدنيا، لذلك فإننى أدعو المسلمين إلى التريث والتوقف عن الاندفاع فى مواجهة كل استفزاز يتحرش بنا أو يسعى للنيل من عقيدتنا، ويبقى لنا فقط السعى خلال المنظمات الدولية لإيقاف ذلك الطوفان من العدوان الآثم على عقيدتنا دون سباب للغير أو تراشق بالعبارات، فللدين رب يحميه والإسلام عرف كل موجات الاضطهاد وانتصر عليها وواجه كافة الافتراءات وخرج منها، إن الإسلاموفوبيا هى واحدة من جرائم العصر التى تكرس عنصريتها، وتفتح أبواب الخلاف الذى لن يوصد أبدًا، فالمسلمون يحترمون كل العقائد، ويؤمنون بأن الدين لله وأن الأوطان لأبنائها دون تفرقة أو تمييز أو إقصاء.