توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ذاكرة الفيل وذاكرة السمكة

  مصر اليوم -

ذاكرة الفيل وذاكرة السمكة

بقلم - مصطفي الفقي

نقول دائمًا لمن ينسى ما فعله فور حدوثه بأن لديه ذاكرة سمكة، فالسمكة تأكل الطعم من السنارة وقد تفلت منها ولكنها تعود مرة ثانية، لذلك يضرب الناس الأمثال بذاكرة السمكة القصيرة لكل من لا يتأثرون من تجاربهم السابقة ولا يتعظون بماضيهم، فيقال إن له ذاكرة سمكة فلا يتذكر ما حدث. وعلى الجانب الآخر فإن الفيل – وربما الجمل أيضًا – حيوان مختلف له ذاكرة طويلة الأمد، فقد يضربه مدربه مرة فلا ينسى ويتذكر ذلك بعد سنوات فيلف خرطومه على وسط ضاربه ثم يقذفه فى الهواء لأن ذاكرته احتفظت بما جرى ولم تسقط منها أحداث وقعت لها، وكذلك فإن من يتذكر ما حدث لمدة طويلة ويستعيده بعد فترة من الزمن ويتصرف وفقًا له نقول عنه إنه يملك ذاكرة الفيل، وأحيانًا قالت العرب ذاكرة الجمل باعتباره الحيوان الذى يعيش معها وتدرك تصرفاته من البيئة التى تضمه مع رعاة الإبل وعشاق (سفينة الصحراء)، وأنا أقول ذلك اليوم لأنى اكتشفت أن البشر صنفان، أحدهما يملك ذاكرة السمكة، والثانى يملك ذاكرة الفيل أو الجمل، والصنف الأول لا يتعلم من أخطائه ولا يدرك الخطر إلا بعد فوات الأوان وهو يرتكب ذلك الخطأ مراتٍ عديدة دون أن يتعلم أو يرتدع، بل هو فى كل الحالات غير واعٍ لما جرى له ولا مدرك لما فعل، وهذا النوع من البشر مسكين بطبيعته مغلوبٌ على أمره لا يدرك مغبة ما فعل، فهو لا يتذكر القريب ولا البعيد زمانًا أو مكانًا فهو ابن لحظته يملك ذاكرة السمكة بقصرها وسطحيتها وقلة تأثيرها، أما الصنف الثانى من البشر فهو مختلف لأن لديه ذاكرة عميقة تحتفظ بالأحداث سنين عددًا وتختار الوقت المناسب للرد الرادع من جانبها، ولقد شاعت فى السنوات الأخيرة نسبة المصابين بمرض ألزهايمر الذى يؤدى إلى فقدان الذاكرة وتكرار الحديث فى الموضوع الواحد عدة مرات ربما فى ذات الجلسة، وهو المرض الذى أطلق عليه الأقدمون مرض الخرف، وتساءل الكثيرون لماذا زادت نسبة الإصابة به، وواقع الأمر أن الذى حدث أن مستوى الأعمار قد طال ولأن هذا المرض اللعين يزور البشر غالبًا فى السن المتقدمة لذلك فإن ارتفاع مستويات الأعمار قد أتاح وجود نسبة أكبر نعرفها ونتعامل معها من مرضى ألزهايمر, ولقد عانى منه كثيرٌ من الشخصيات الكبرى فى التاريخ بدءًا من محمد على مؤسس الدولة المصرية الحديثة وصولاً إلى رونالد ريجان الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية، وما أكثر الكبار الذين كانوا يهيمون فى الشوارع بلا وعى نتيجة فقدان الذاكرة جزئيًا أو كليًا، بالإضافة إلى النسيان الدائم كظاهرةٍ لا تتوقف، ورغم العلاجات الحديثة ومظاهر الانتشار المبكر لذلك الزائر غير المرغوب فيه وأعنى به مرض الألزهايمر فإننا نظن أن انتشار ذلك المرض يتسع وتتزايد الحالات المصابة به وقد تستهدف المفكرين والعلماء أكثر من غيرهم لأن عقولهم مجهدة وذاكراتهم مرهقة بعد رحلة تأمل طويل مع الإبداع بكل صوره وأشكاله، وأعرف على الجانب الآخر أنماطًا من البشر لا يكادون يدركون ماذا يفعلون، فلقد كنت ألتقى الفنان العالمى عمر الشريف على مائدة صديقه القريب منه الدكتور زاهى حواس وكانت نوبات الألزهايمر تزور ذلك الفنان فى سنواته الأخيرة حتى كان لا يتعرف أحيانًا على صديقه الذى عاش معه سنوات فى الولايات المتحدة الأمريكية الدكتور زاهى حواس.

ولذلك فإننى أعتقد أن هذا المرض يداهم من بذلوا مجهودًا أكبر فى حياتهم وخاضوا معارك إنسانية ومروا بتجارب عميقة أكسبتهم قدرًا هائلاً من الصمود والقدرة على المقاومة، وعندما دخلوا فى خريف العمر أصابتهم لعنة الحياة، وقديمًا كان الدعاء الشائع اللهم اجعل خير أيامنا خواتيمها واجعل خير أعمالنا آخرها، لأن فقدان الذاكرة فى سن متقدمة أمر مؤلم بل ومهين أحيانًا.

وأنا أعرف شخصيات عظيمة القدر انتهت حياتهم وذويهم يبحثون عنهم فى الشوارع المحيطة بمنازلهم فلا يعرفون ماذا فعلوا ولا أين ذهبوا؟ إنها قسوة الحياة وضريبة الزمن ولعنة العمر المتقدم فما أصعب الدنيا على المرء حينما تختفى منه ذاكرة الفيل وتعشش لديه ذاكرة السمكة بديلاً مؤلمًا فى سنوات حرجة من العمر، ولقد قرأنا أن الرئيس الأمريكى ريجان كان ينظر إلى زوجته نانسى وهما يجلسان فى السيارة وبعض الجماهير تحييه عندما يتعرفون إليه بينما ينظر هو ببلاهة ولا يعلم لماذا يفعلون ذلك، لذا حرصت زوجته الذكية عندما لاحظت بوادر الزيارة الثقيلة للألزهايمر عليه أن تدعو أصدقاء رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق ورفاق عمره إلى حفلٍ عشاء تبادلوا معه فيها الذكريات والقفشات قبل أن يختفى كل ذلك من حياة رئيس أكبر دولة فى العالم المعاصر.. إنها الدنيا لمن لا يعرف، تبدأ بذاكرة سمكة وتنتهى بها، وتمر بين الاثنتين بذاكرة الفيل عالميًا والجمل عربيًا إذا جاز التعبير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذاكرة الفيل وذاكرة السمكة ذاكرة الفيل وذاكرة السمكة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon