توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قراءة فى الملف النووى المصرى

  مصر اليوم -

قراءة فى الملف النووى المصرى

بقلم: مصطفي الفقي

عندما كنت سفيرًا لمصر فى فيينا ومندوبًا مقيمًا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان المدير حينذاك هو السيد هانز بلكس لمدة ستة عشر عامًا بعد أن كان وزيرًا لخارجية دولته السويد، وقد كان محبًا لمصر والمصريين ولديه صداقات كبيرة معهم وفى مقدمتهم الدكتوران محمد شاكر ومحمد البرادعى، حيث كان الأول مديرًا لمكتب الوكالة فى نيويورك، بينما أصبح الثانى مديرًا لها بعد بلكس مباشرة. وفى ذات مساء وعلى مائدة العشاء فى بيتى تحدث هانز بلكس عن أهمية مصر فى المجال النووى وذكر ليلتها أن مصر لديها القاعدة العلمية والكوادر المؤهلة لكى تطرق أبواب النادى النووى بكل ثقةٍ واقتدار، وقال إن الذين يتذرعون فى مصر بقصور الإمكانات المادية يجانبون الصواب، فليست مصر أكثر فقرًا ولا أقل فى مستوى المعيشة من دول مثل الهند وباكستان، وقال لى أكثر من مرة إنكم مؤهلون لذلك فيكفى أن لديكم أكثر من عشرة مفتشين نوويين فى الوكالة كل واحدٍ منهم عالمٌ كبير وباحث مشهود له بالدراية والكفاءة فى هذا الميدان، خصوصًا وأن إسرائيل تملك ترسانة نووية، كما أن إيران تتطلع إلى ذات الهدف فيجب ألا تبقى مصر مغلولة اليدين محدودة الحركة، بل يجب أن تسعى لتأكيد مكانتها الإقليمية ووزنها الدولى من خلال حيازة قاعدة نووية للاستخدام السلمى، لأن ذلك يعنى ارتقاءً بمكانتها وتماشيًا مع عراقة تاريخها.

وعندما كان بلكس يحدثنى فى هذا الشأن كنت أعود بذاكرتى بعيدًا لواحدٍ من اللقاءات الأولى لى مع الرئيس الراحل حسنى مبارك بعدما جرى تعيينى سكرتيرًا للمعلومات والمتابعة، فقد أعطانى حينها ملفين كبيرين يحتوى أحدهما على عرضٍ أمريكى بإنشاء محطة نووية فى مصر، بينما يحتوى الثانى على عرضٍ ألمانى للمساعدة فى إقامة قاعدة نووية للاستخدام السلمى للذرة فى مصر أيضًا، وطلب منى الرئيس يومها تلخيص الملفين وإعطاء وجهة النظر الفنية فيهما بالرجوع إلى علمائنا فى هيئة الطاقة الذرية، وبعدما أتممت مهمتى مستعينًا بأهل الخبرة دعا الرئيس الراحل إلى اجتماعٍ استثنائى لعدد من العلماء والدبلوماسيين المعنيين بشئون النشاط النووى وقضايا نزع السلاح، وكان من بينهم زميل كبير من السلك الدبلوماسى المصرى خطف بحديثه فى ذلك الاجتماع اهتمام الرئيس الراحل وهو السفير صلاح إبراهيم رحمه الله، وكان متخصصًا فى هذا الموضوع وعمل فى إطاره لسنوات طويلة، وكان متحفظًا على اندماجنا أكثر فى المجال النووى متحدثًا عن مخاطره وضعف احتمالات الأمان النووى لدينا، وكان الرئيس الراحل بطبيعته أميل إلى الحذر والتحفظ فصادفت كلمات السفير صلاح إبراهيم هوى فى نفسه، وانتهى الرئيس إلى اننا نحتاج إلى المزيد من الدراسة المتأنية والاطلاع أكثر على تجارب الآخرين دون الانبهار بأمر لامع ولكنه لم ينل حظه من الدراسة المتأنية رغم أننا طرقنا أبوابه منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ووزيره المختص صلاح هدايت، وحدث بعد ذلك مالم يتوقعه أحد، إذ أنه بعد الاجتماع بفترة وجيزة وقع حادث التسريب النووى الشهير (تشرنوبل) وبدا الأمر كارثة أمام المجتمع الدولى كله، وتجسدت مخاطر ضعف الأمان النووى أمام الجميع، وارتكن الرئيس الراحل على ما جرى ليقرر إرجاء الأمر فى ذلك الوقت، خصوصًا وأن الظرف السياسى الإقليمى لا يبدو مواتيًا فى ظل حالة عدم الاستقرار فى الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة.

وقبل رحيل الرئيس مبارك عن الحكم بفترة قصيرة عاود بعض المسئولين نغمة المحاولة من جديد فى ذلك الميدان ولكن، الأمر بقى نظريًا ودعائيًا وحبيس الأدراج إلى ما بعد ثورة 30 يونيو 2013 وتوقيع اتفاق إنشاء الروس لمحطة الضبعة النووية المصرية على الساحل الغربى الشمالى لخريطة الوطن المصرى، وبدأ العمل جادًا يمضى فى طريق مرسوم لا يقلق أحدًا فى الخارج ولا يخيف مواطنًا فى الداخل، فالأمان النووى حاليًا يبلغ درجة المائة فى المائة، وما أحوج مصر اليوم إلى الطاقة النووية النظيفة خصوصًا فى ظل الأزمة العالمية للطاقة عمومًا وتراجع معدلات استخدام الوقود الأحفورى مع الزمن وحرصًا على التوازن البيئى فى ظل تغيرات المناخ. ويكفى أن ندرك أن 80 بالمائة من الطاقة المستخدمة فى الدولة الفرنسية هى طاقة نووية، وأنا أعلم أن هناك دولاً تراجعت فى مشروعها النووى، أتذكر منها جمهورية النمسا التى عملت سفيرًا لبلادى فيها والتى تضم المبنى الشامخ للوكالة الدولية للطاقة الذرية فى قلب عاصمتها فيينا، حيث جاءت نتيجة الاستفتاء الشعبى رافضة للمضى فى مشروع المحطات النووية وداعية للاستغناء عنها بوسائل الوقود التقليدية.. إنها رحلة الوطن المصرى لولوج النادى النووى الذى توجته أخيراً بالمضى فى إنشاء محطة الضبعة والتى عارضتها أصوات كثيرة وعالية ولكن وقفت معها الحاجة إلى التطور والرغبة فى المضى مع حركة التاريخ شأن دول كثيرة سبقتنا وأمم أخرى تسعى لأن تمضى على نفس الطريق!

* نقلا عن " الأهرام"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة فى الملف النووى المصرى قراءة فى الملف النووى المصرى



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon