توقيت القاهرة المحلي 08:26:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العمل بين الوظيفة والرسالة

  مصر اليوم -

العمل بين الوظيفة والرسالة

بقلم: مصطفي الفقي

أستطيع أن أميز بسهولة بين مَن يؤدى عمله بأسلوب روتينى يخلو من الدوافع الذاتية التى تجعله على الوجه الأكمل، فهو يؤدى وظيفته لمجرد تسديد خانة دون رغبةٍ فى التجويد أو دافع للإصلاح، بينما نجد النموذج الثانى يحمل وظيفته على كتفيه باعتبارها رسالة إنسانية وأخلاقية والتزامًا تتعين عليه تأديته على الوجه الأكمل، بل إن صاحبه فى هذه الحالة يشعر بالرضا الحقيقى والسعادة الغامرة لأنه يستجيب لنداء ضميره ولا يقف عند حدود الحد الأدنى للتكليفات التى يتلقاها. والمقارنة بين النموذجين تُذكرنى بقصة تتردد فى «أدب الجاسوسية» عن دولة أرادت تجنيد شخصية مهمة من دولة خصم، وبالفعل قامت الأجهزة المعنية فى تلك الدولة بالتقاط الصيد الثمين، الذى قبل التعاون معهم مقابل مبالغ مالية وعدد من المزايا والتسهيلات،   

وفى أول جلسة مع العميل الجديد سألهم عن الدور المطلوب منه وعن أسلوب التراسل بالمعلومات بينهم، فإذا بالمفاجأة أنهم يقولون له: لا نريد مراسلات بيننا ولا اتصالات يتم تداولها بين الجانبين، علمًا بأننا ملتزمون بدفع ما اتفقنا عليه فى حسابك البنكى سنويًا، ولنا مطلبٌ واحد، وهو أنك بحكم وظيفتك الكبيرة فى ذلك الجهاز كبير الأهمية شديد الحساسية نطلب منك عندما يتم ترشيح مساعديك جميعًا فى المستقبل عليك أن تختار الأسوأ وليس الأفضل، ونحن نعرف كيف نستفيد من هذا الاختيار، وما هى إلا سنوات قليلة إلا وكان ذلك الجهاز الخطير الذى يترأسه ذلك العميل قد أصبح مسطحًا بالكامل، خاليًا من الكفاءات، مليئًا بالتفاهات، وبذلك حققت الجهة التى جندته هدفها ببساطة لأنها اختارت من خلاله فى كل موقع نموذج الحمار بدلًا من نموذج الحصان، ولقد أغْرَتْنى تلك القصة الحقيقية أو الخيالية بأن أُصدر فى مطلع هذا القرن كتابًا بعنوان: (الرهان على الحصان)، الذى قارنت فيه بين النموذجين، نموذج الحمار الذى يمضى فى طريقه بلا وعى ويكرر المشوار كما هو تمامًا ولا يجتهد عقليًا أو نفسيًا لتحقيق تطوير أو إحداث نقلة فى مهمته، فالحمار يتصرف كما تعوَّد دون تفكيرٍ أو مراجعة، وهو مطِيّة لمَن ركبه يحمل الأثقال لمَن يقوده، أما الحصان فحيوان رشيق ذكى بطبيعته يذكر لصاحبه الجميل ويتصرف وفقًا للمعاملة الطيبة ولا يمتطيه إلا فارس ويقبل التلقين ويتأثر بالتدريب والتعليم، لذلك فهو النموذج المطلوب والاختيار الأفضل لمَن يشغل وظيفة، وهناك نموذج ثالث يقع بين الاثنين الحمار والحصان، وأعنى به نموذج «البغل»، الذى لا يهتم إلا بمصلحته الذاتية والسطو على حقوق الغير وتخزين دهن الإهمال واكتناز الطعام، الذى يُقبل عليه بشراهة دون نظام محدد أو توقيت معروف، وعندما أتأمل نماذج مَن يعملون فى دواوين الحكومة ودوائر العمل أشعر أن هذه النماذج كلها موجودة، وأن الرهان على الحصان يكون لمصلحة الوطن، وأن الرهان على الحمار يبقى لمصلحة أعدائه، أما الرهان على البغل فهو تكريسٌ للامبالاة وغياب الوعى، ولنا هنا ملاحظتان:    الأولى: الإنسان ابن بيئته التى يعيش فيها ونتاج المناخ الذى ينتمى إليه، ولا يمكن إصلاح أمره إلا بالتعليم الجيد والتدريب المتميز، فتلك هى أدوات تربية الحصان والابتعاد عن النموذجين الآخرين، اللذين ينظران إلى الوظيفة كمصدر رزقٍ ثابت ولا يدركان أن العمل رسالة وأن تجويده التزام.  

  الثانية: إن تنظيم العمل ووضع الضوابط المحددة له وأسلوب اختيار القيادات وانتقاء الكفاءات كلها مسائل ضرورية لإنقاذ سفينة الوطن وتحريكها نحو الأفضل، فلا يكفى أن يكون الرئيس الأعلى رائعًا بينما مرؤوسوه لا ينتمون إلى نفس المستوى، فالنهضة عملية شاملة، والقفزة النوعية للأمام تستوجب التحرك على جبهة عريضة يمضى بها الجميع نحو مستقبل أفضل للوطن والمواطن.    إن العمل رسالة وليس وظيفة، كما أن تجريف الكفاءات جريمة، والإطاحة بالحصان لحساب غيره هى ظاهرة ولّت، ويجب ألّا تعود

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العمل بين الوظيفة والرسالة العمل بين الوظيفة والرسالة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon