توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات (79).. الزحف نحو الثمانين

  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات 79 الزحف نحو الثمانين

بقلم: مصطفي الفقي

أطل الآن من شرفة العمر على ثمانين عامًا منذ مولدى، وأرى حياتى حافلة بالنجاحات والإخفاقات، بالانتصارات والانكسارات، بحشدٍ ضخم من الفرص الضائعة والتصرفات الخاطئة والضعف البشرى الذى جر علىَّ متاعب كثيرة فى رحلة العمر، وأتذكر عندما كنّا صغارًا أننا كنّا نقول عن شخصٍ ما إنه رجل كبير تجاوز عمره الأربعين عامًا، فإذا الكون قد دار دورته والكوكب سعى سعيه فى تجديد الحياة وتغيير الإطار الذى نحيا فيه.

وها هو عيد ميلادى الثمانين يأتى على صوت قصف الطائرات وفحيح الراجمات وطلقات الرصاص على الأجساد العارية والبطون الخاوية، إنه صراع الإنسان ضد أخيه مهما كانت الأسباب ومهما تعددت الدوافع، أتذكر اليوم أيضًا عندما جرى تعيينى دبلوماسيًا صغيرًا بالسفارة المصرية بلندن وشكوت ذات مساء لصديق عمرى الراحل شوقى أبوعلى الذى كان يتنقل بين لندن ونيويورك أسبوعيًا.

وقلت له إن ترتيبى على القائمة الدبلوماسية للبعثة المصرية متأخر بحكم درجتى الصغيرة ولا يتاح لى عقد لقاءاتٍ أو طلب مقابلاتٍ مع الدبلوماسيين البريطانيين أو الأجانب، لأنهم يفضلون الدرجة الأكبر باعتبارها مصدرًا متوقعًا للمعلومات والتحليلات والآراء، وكان صديقى شوقى شخصية أسطورية بحكم اتصالاته الدولية الواسعة وصداقاته الوثيقة مع عدد كبير من الشخصيات العالمية.

ورغم أننا خريجان من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية إلا أنه كان قد شق طريقه خارج مصر وحقق نجاحاتٍ واسعة فى المجالات الثقافية والفنية، وتكون لديه رصيد كبير من المعارف فى شتى المجالات، قال لى يومها: لا تثريب عليك، سوف أفتح لك نافذة فى الخارجية البريطانية، وتوهمت أنه سوف يعرفنى بأحد الدبلوماسيين الصغار فى وزارة الخارجية بلندن، فدعانى على العشاء مع شخصية وقورة لا أعرفها تبدو فى نهاية الخمسينيات من العمر، وقدمنى يومها باعتبارى طالب دكتوراه فى الجامعة وليس بدرجتى الدبلوماسية المتواضعة.

واكتشفت أن الذى يجلس معنا هو السير آنتونى بارسونز الذى كان سفيرًا لبريطانيا فى إيران ومندوبًا دائمًا لها فى الأمم المتحدة وهو دبلوماسى مرموق وشخصية كبيرة، كان السيد كمال رفعت سفير مصر فى لندن حينذاك يسعى للقائه فى مناسباتٍ مختلفة، وامتد الحديث بيننا نحن الثلاثة على العشاء فى أحد مطاعم حى ماى فير وسط العاصمة البريطانية، وخرجت من اللقاء لأكتب محضر المقابلة كما جرت الأعراف الدبلوماسية بذلك لرفعه للسفير المصرى فى لندن، وكان الدبلوماسى البريطانى الكبير يحدثنا بمنطق الصداقة التى لا علاقة لها بالعمل الرسمى.

وقد ذكر فى ذلك المساء أن إسرائيل كانت قد طلبت من بريطانيا بيع صفقة دبابات، وكنّا فى فترة حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية/ الإسرائيلية حينذاك، وحينما اطلع السفير كمال رفعت ونائبه اللامع محمود سمير أحمد على محضر المقابلة تصورا أن الدبلوماسى الصغير فى البعثة قد شطح بخياله وتوهم لقاءً لم يحدث، وعندما علمت بذلك ذهبت إلى نائب السفير د.سمير أحمد مؤكدًا له صحة اللقاء مع إصرارى على الاحتكام إلى المسؤولين عن العلاقات مع بريطانيا فى الخارجية المصرية، وتمَّ لى ذلك، وأشاد الدبلوماسيون الكبار فى ذلك الوقت بتلك المقابلة وصدق ما جاء فيها.

أقول ذلك وأكتبه الآن لكى أدلل على أن الدبلوماسية البريطانية كانت ولاتزال مخزنًا لمعلومات هامة عن الشرق الأوسط؛ لأنها تقف وراء كافة مشاكله منذ طرحت عبارة إن مصر يجب ألا تغرق ولا أن تطفو، فغرقها سقوط للمنطقة، كما أن تحليقها يسمح لها بالخروج عن حدودها لتوسعاتٍ إقليمية كما حدث فى عهدى محمد على وجمال عبدالناصر، إنهم أيضًا الإنجليز الذين قالوا إذا عطست مصر فإن ذلك معناه أن الشرق الأوسط مصابٌ بالإنفلونزا.. إن ثمانين عامًا تطل على ذاكرتى التى شحبت من كثرة الطرقات للأخبار سارة وحزينة.

وبالأفكار عميقة وسطحية، وبالرؤى بعيدة وقريبة، إن الزحف نحو الثمانين هو مناسبة للتركيز على تفصيل التجربة وشرح الغوامض وتربية الأجيال الجديدة الواثبة نحو سنوات الشباب!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 79 الزحف نحو الثمانين اعترافات ومراجعات 79 الزحف نحو الثمانين



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon