بقلم: مصطفي الفقي
ينفرد الروائى المصرى الكبير يوسف القعيد بمجموعة من الخصائص والصفات تجعلنا ندرك أنه نموذج يستحق الاحترام والتقدير، فهو رواية مصرية مستقلة ذات أبعاد واسعة تضعه فى مصاف الأدباء الكبار والصحفيين الذين يتميزون بحب المعرفة والفضول بحثًا عن الحقيقة والإيمان الشديد بحق القارئ على الكاتب فى كل الظروف، ويوسف القعيد ابن محافظة البحيرة، التى أنتمى إليها، وهو من أسرة مصرية ربما نزحت من الجنوب بحكم إعادة التوزيع الديموغرافى على خريطة الوطن وفقًا لمسيرة الحياة ودورة الزمان، سمعت عنه عندما تفجرت موهبته الأدبية وصدرت بعض رواياته، وبدا أمامنا جزءًا من ثنائية جمال الغيطانى ويوسف القعيد مع قدرة على توظيف قصة الأمس لخدمة المستقبل، وهو يملك خزانة كبيرة من المعلومات والأخبار التى ينفرد بها عن غيره، فهو ابن من أبناء الوطنية المصرية، ومن أكثر المهتمين بالحياة العامة للوطن والمتذوقين للشخصيات المتميزة مع قدرة على سبر أغوارها واكتشاف ملامحها، ولقد اقتربت منه بعد عودتى من الهند عام ١٩٨٣ فى بداية عملى فى مؤسسة الرئاسة حيث جمعتنى بالأستاذ يوسف القعيد مناسبات ولقاءات لا يخلو منها من يتعاطون الأدب ومن يمتهنون الكتابة، ولفت نظرى بصراحته الشديدة ووضوحه الشفاف وغرامه الشديد بالخبر وتحليله فى وقت واحد، وتعرفت معه على بعض أفراد أسرته الصغيرة، خصوصًا ابنه النابه الذى يلامس ذكاؤه بعضًا من عبقرية الشباب،
وقد لعبت الكيمياء البشرية دورها الطيب فاقتربت منه أكثر وتعودت على أسئلته الذكية وملاحظاته الهامة فى شؤون متعددة من حياتنا، وعرفت أنه من أقرب الناس إلى صاحب نوبل الرواية العربية نجيب محفوظ، بل ومن أقرب المريدين هو ورفيق رحلته جمال الغيطانى وغيرهما من حرافيش محفوظ، كما اكتشفت قربه الشديد من الأستاذ هيكل أيضًا، والتقدير المتبادل بينهما، والوفاء الذى يحفظه القعيد للأستاذ بعد رحيله، وتلك صفات الكبار وخصائص الشرفاء، وهو قارئ نهم لم يبرأ أبدًا من حمى الصحافة والتنقيب عن الخبر والتفتيش عن المعلومة، ولقد حظيت رواياته الأولى بانتشار واسع واستقبلها جمهور القراء بحفاوة واضحة، وانتشر اسم يوسف القعيد فى فترة قصيرة وبسرعة ملحوظة، وكنت كلما التقيته وجدت لديه معلومة جديدة أو خبرًا مثيرًا فهو يمشى على حبال الوطن المشدودة فى كل اتجاه، وقد التقى يوسف القعيد بالشيخ عبدالعزيز سمك، الشيخ الأسبق لمعهد دمنهور الدينى، وصاحب الشهرة الواسعة فى تدريس المواد الشرعية، والذى مضى إلى رحاب ربه عن عمر يلامس المائة عام، وجاءنى الأستاذ يوسف بعدها ليقول لى إن الشيخ سمع عنك عندما جرى تعيينك سكرتيرًا للرئيس للمعلومات، وإنه يعلم أنك صديق للأزهر وعلمائه، وكان يوسف القعيد من أبناء قرية الظاهرية التى ينتمى إليها شيخنا الراحل، وعندما توليت أمر مكتبة الإسكندرية اقتربت أكثر من يوسف القعيد القارئ المثقف، واعتبرته ضيفًا لا غنى عنه فى كل مناسبات المكتبة، والتى كان من أقربها إلى قلبه يوم استقبل ذلك الصرح الثقافى الكبير مكتبة الأستاذ هيكل بحضور رفيقة عمره السيدة الجليلة زوجته مدام هدايت تيمور، التى تحفظ حبال الود وأواصر المحبة مع تلاميذ الأستاذ ومريديه الذين لا يتوقفون عن زيارة بيته وحضور الاحتفال السنوى بعيد ميلاده، وتوزيع جوائز مسابقته على شباب الصحفيين المصريين والعرب، وقد التقيت بالأستاذ يوسف القعيد مؤخرًا فى إحدى المناسبات ونحن نطرق معًا أبواب الثمانين من العمر، وهو يتكئ على ابنته وزوجها، وقد ترك الزمان بصماته على الوجوه من ندوب العمر وحفريات الدهر، وأنا أعتقد صادقًا أن يوسف القعيد يستحق الكثير من وطنه، خصوصًا وأن الكثيرين ينتظرون له جائزة النيل فى الأدب على نفس الدرب الذى مضى عليه رفيقه وصديقه الراحل الغيطانى. إن يوسف القعيد يجسد ثقافة الريف والحضر، وفلسفة العمر وشجون الزمن، تحية له ولكل ساعة قضاها قارئًا أو أمضاها كاتبًا، مع تحية صادقة من كل أصدقائه وقرائه وعارفى قيمته.