توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات (67).. طارق البشرى وميلاد حنا.. التحول الفكري

  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات 67 طارق البشرى وميلاد حنا التحول الفكري

بقلم: مصطفي الفقي

أحرص فى هذه الكتابات– المختصرة- على الاعتراف بشخصيات لها وزن فى التاريخ المصرى الحديث ولها دور فى الحياة الفكرية والثقافية للوطن، وأختار بين الثنائيات التى أكتب عنها ذلك التشابه فى النهج الفكرى للقطبين اللذين أجعلهما محورًا للدراسة، واختار اليوم شخصيتين رحلتا عن عالمنا منذ سنوات قليلة وكان لكل منهما دوره فى الحياة العامة المصرية، فالأول هو المستشار طارق البشرى رجل القضاء وفارس مجلس الدولة طوال خدمته المشرفة كمثقف ومفكر.

كبير اختار الدراسات القانونية تخصصًا له امتدادًا لبيت البشرى العريق المعروف بالاهتمام بالشريعة والقانون والفقه الإسلامى وتاريخ الحضارة العربية فى عواصمها المختلفة، ويعتبر طارق البشرى هو الرائد الحقيقى للدراسات السياسية للوحدة الوطنية فى إطارها الحديث، وإليه يرجع الفضل فى الكتابات المبكرة فى النصف الثانى من القرن العشرين حول المفهوم المعاصر للتعايش المشترك بين المسلمين والأقباط فى مصر المحروسة، وهو الذى صك تعبير (الجماعة المشتركة) تأكيدًا لهذا المعنى وارتباطًا به.

وذلك فى إطار من الجنوح اليسارى والانضواء تحت سماء الفكر الاشتراكى. وقد اقترن بسيدة فاضلة هى الأستاذة عايدة العزب موسى، وهى أيضًا سليلة بيت علم ودين، ولقد تأثرت شخصيًا بشخصية وكتابات طارق البشرى، بل لعله كان أحد الأسباب التى دفعتنى لاختيار موضوع دراستى للدكتوراه فى جامعة لندن حول (الأقباط فى السياسة المصرية.. مكرم عبيد نموذجًا)، فانصرفت قراءاتى فى ذلك الاتجاه حيث كنت أقضى الساعات الطوال فى مكتبة المتحف البريطانى فى لندن، أو فى مركز الوثائق البريطانية حيث المراسلات المتبادلة بين القاهرة ولندن على امتداد سنوات القرن العشرين.

لذلك اخترت المستشار الجليل طارق البشرى لكى يشرفنى بكتابة مقدمة الطبعة العربية من أطروحة الدكتوراه التى تحدثنا عنها. وقد عُرف طارق البشرى بالصلابة فى الحق والتمسك بالمبدأ وقد انتقل انتقالًا كبيرًا من معسكر الكتابات المحايدة تجاه النظام السياسى المصرى إلى معسكر آخر لا يخفى انتقاده لما يجرى، ويسعى إلى تأكيد رؤيته الفكرية عالمًا مجتهدًا وفقيهًا قانونيًا ومؤرخًا أمينًا، وقد تشرفت أن اشتركت فى إصدار كتاب حرره المستشار طارق البشرى والمستشار الدكتور وليم سليمان قلادة وكاتب هذه السطور بعنوان «وطن واحد وشعب واحد».

وقد كتب لنا مقدمة ذلك الكتاب أستاذنا الراحل الدكتور بطرس بطرس غالى، ولقد كشف البشرى عن موقفه المعارض لبعض إجراءات يوليو ١٩٥٢ وقواعد الانطلاق فيها نحو المستقبل، وأتذكر أننى نقلت إليه ذات مرة رسالة من الرئيس الراحل مبارك بشأن معيد شاب كان أبوه ضابطًا طبيبًا وصديقًا للرئيس الراحل، ولكن البشرى اعتذر عن تلبية الطلب وقال لى: أبلغ السيد الرئيس أن ما يريده والد الشاب هو أمر لا يتفق مع صحيح القانون ومبدأ تكافؤ الفرص، وأُشهد الله أن الرئيس مبارك- رحمه الله- تلقى ذلك الرد بسعة صدر وقال: ما دام يتعارض مع صحيح القانون والقواعد المعمول بها فإننى أصرف النظر عن التزكية وأتركه مثل زملائه لميزان الفرص المتكافئة.

وعندما جاء دور طارق البشرى ليترأس مجلس الدولة بحكم الأقدمية سعت وزارة العدل المصرية إلى قطع إعارة المستشار الجليل على الخادم ليعود من إعارته فى سلطنة عُمان ويتولى رئاسة مجلس الدولة تفاديًا لوصول المستشار طارق البشرى إلى ذات الموقع. وتكمن قيمة البشرى الحقيقية فى تلك الحيوية الفكرية التى نقلته من مصاف الأكاديميين فقط إلى مصاف السياسيين أصحاب الرأى وذوى الانتماء الواضح الذى بدأ يأخذ أبعادًا إسلامية برزت فى كتاباته بعد ذلك وظهرت فى مقالاته الرصينة.

أما الفارس الثانى فهو د.ميلاد حنا صاحب المعاناة الذاتية التى شعر بها لسنوات طويلة، وكان يؤمن فى كل أحاديثه أنه كان يمكن أن يحصل على فرص أفضل فى الحياتين الأكاديمية والسياسية لو لم يكن قبطيًا، وذلك رغم أن علاقته بالكنيسة الأرثوذكسية والبابا شنودة الثالث لم تكن فى أفضل أوضاعها، وقد جرى اعتقاله فى سبتمبر عام ١٩٨١ ليخرج من السجن ابنًا بارًا للكنيسة بعيدًا عن شرنقة النظام السياسى القائم حينذاك، وقد انتقل الرجل من مناضل يسارى فقط إلى مفكر عقائدى قضيته الأولى هى الدفاع عن الحريات والتمسك بالمفهوم الدقيق للوحدة الوطنية، وتعاطف واضح مع قضايا شركاء الوطن من أقباط مصر.

وأتذكر حاليًا ذلك الشعور المكتوم بالمرارة وهو يدعونى إلى حضور حفل عيد ميلاده الثمانين بعد سنوات حافلة فى خدمة قضايا التعايش المشترك وأهمية رعاية الطبقات الكادحة بدءًا من (جمعية الإخاء الدينى) التى تزاملنا فيها عدة سنوات.

ولعل التشابه بين الشخصيتين؛ البشرى وحنا، يعكس بالضرورة ذلك الشعور الذاتى للمفكر خصوصًا فى سنوات عمره الأخيرة، وهو ما أغرانى بأن ألتزم بالكتابة عن الشخصيتين معًا لأن أوجه التحول الفكرى تعكس القدر الكبير من التأمل الذى قضاه كل منهما قبل أن يقتحم مجال السياسة، وأؤكد مرة أخرى أن الانتقال من منبر سياسى إلى آخر بل إن التحول العقائدى هو أمر يمضى مع طبيعة الأشياء، ويتمشى مع ناموس الوجود والمتغيرات الوافدة التى تطرأ على النفس البشرية!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 67 طارق البشرى وميلاد حنا التحول الفكري اعترافات ومراجعات 67 طارق البشرى وميلاد حنا التحول الفكري



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon