توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أحمد زويل فى ذكراه

  مصر اليوم -

أحمد زويل فى ذكراه

بقلم: مصطفي الفقي

أكثر ما كتبت عنه وما أحب ما أشرت إليه، إنه أيقونة جيلى وشعاع الضوء فى ظل الشحوب العلمى والانزواء الفكري، وقد حصل على نوبل لكى تكون هدية للشعب المصرى الذى خرج منه والوطن الكبير الذى انتمى إليه، وتذكرت أن هذه الأيام هى الذكرى الثامنة لرحيله من سطور الوفاء وكلمات الرثاء التى سطرها الصديق المشترك وهو أيضًا أيقونة فى عالم الفكر والشعر وأعنى به الأستاذ فاروق جويدة، وتذكرت على الفور جلستنا الأخيرة زويل وجويدة وكاتب هذه السطور على مقهى الفيشاوى فى حى الحسين فى قلب القاهرة منذ أكثر من عقدين من الزمان ونحن نلوك الذكريات ونتحدث عن الماضى باعتبارنا أبناء محافظة واحدة ورفاق زمنٍ فى الدراسة حتى وإن اختلفت الفصول والمدارس ولكنها فى ظل محافظة منجبة هى البحيرة التى أهدت للوطن محمد عبده من مركز شبراخيت وتوفيق الحكيم من مركز دمنهور ونجيب محفوظ من مركز رشيد، وهى المحافظة التى عانقت الأزهر الشريف عبر تاريخها الطويل واقترابها من المسجد الأحمدى فى طنطا قبل أن يكون فى دمنهور معهد دينى مستقل، أعود لزويل لمكانته المتفردة وقيمته السامقة ومحاولاته إصلاح التعليم ودفع البحث العلمى المصرى إلى آفاق عصرية ولاتزال أصداء كلماته فى لقاءاتنا الطويلة عبر السنين تصك مسامعى وتوقظ فى أعماقى أملاً لن يموت، فمصر الولادة صاحبة الأرض المنجبة سوف تظل دائمًا تتدفق بنفحات من أصحاب المعرفة حاملى شحنات العلم وومضات أنوار العرفان، إنها مصر الفرعونية اليونانية الرومانية الإسلامية المسيحية ملتقى الحضارات ومجمع الثقافات وحاملة السراج المنير فى دياجير الظلام عبر القرون، وهى البلد العظيم الذى واجه أشرس أنواع التحدى وأكبر محاولات التضييق حقدًا عليها، ولكنها بقيت دائمًا صامدة تدفع بقوافل يقودها أمثال زويل فى العصور الصعبة والأزمنة المأزومة والظروف المعقدة.

إن أحمد زويل النابغة والعالم الفذ كاد يطرق أبواب نوبل الثانية بعد الأولى ثم اختطفته يد المنون فأدمى القلوب وانتزع صفحة مضيئة من روتين حياتنا الذى يكرر نفسه كل حين، إنه أحمد زويل حفيد الفراعنة وامتداد علماء كبار كابن حيان والحسن بن الهيثم، وبهذه المناسبة أتذكر أنه قد دعانى فى سنوات عمره الأخيرة لحضور محاضرة علمية جامعة له فى العاصمة الألمانية برلين وكانت عن عالم الضوء ابن الهيثم وتأثيره الضخم فى البناء العلمى والحضارى للفيزياء والكيمياء فى الحضارة العربية الإسلامية وامتدادها فى الحضارة الأوروبية المسيحية، ولقد تميز أحمد زويل بطموح لا حدود له تجاوز فيه الميدان العلمى والأفق الثقافى لكى يطرق نوافذ الإصلاح السياسى، وكان يمكن أن يصبح إلهامًا تاريخيًا للنهضة المصرية مثلما كان اينشتاين مفخرة أمام دعاة المسألة اليهودية، ولذلك واجه زويل سهامًا يرشقه بها أنصار حزب أعداء النجاح كما كان يسميهم الراحل مفيد فوزى وغيرهم ممن يتوهمون أن زويل قد جاء ليسرق الجوهرة ويجرى بها بعيدًا، بينما الكنانة أرسخ وأعمق وأقوى من الأحداث العابرة والظروف القاهرة، وعندما كنت مديرًا لمكتبة الإسكندرية فاجأتنى زوجته السورية الفاضلة ديما الفحام ابنة الوزير السورى والعالم اللغوى ورئيس مجمع دمشق الأسبق بتنفيذ وصية زوجها العالم الراحل الذى أوصى بمكتبته لكى تكون جزءًا من مكتبة الإسكندرية التى كانت أثيرة لديه غالية عليه فهو خريج جامعة الإسكندرية وكان يسعد دائمًا بإحياء مكتبتها العظمى على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وقد صممت قرينة الراحل الكبير بأن تتحمل نفقات شحن مكتبته من أمريكا إلى مصر تقديرًا للوطن الذى أنجب تلك القامة العالية فى شموخ وكبرياء يضع أحمد زويل على قمة القائمة المضيئة من علمائنا الأفذاذ، وسوف أظل أشعر بالتقصير كلما تلقيت اتصالاً هاتفيًا من أختى العزيزة شقيقته السيدة نانا زويل وهى تتحدث عن أخيها العظيم ودوره الكبير وتتذكر معاصريه وأصدقاءه بالعرفان دائمًا والأسف أحيانًا، فالنفس البشرية متقلبة ولا تمضى على وتيرة واحدة كما أن الأحياء ينكرون أحيانًا فضل الراحلين وقيمة من قدموا لأوطانهم أغلى ما يملكون علمًا وفكرًا، ثقافة ورؤية، نصيحة ورشدًا.. سوف يبقى زويل فى ضميرى شخصيًا تراثًا باقيًا وضوءًا متألقًا لا يخبو نوره أبدًا، ولا أزال أتذكر مشاعره الوطنية فى أثناء ثورة 25 يناير وما بعدها وكيف كانت دقات قلبه تتحرك صعودًا وهبوطًا مع ترمومتر الحياة السياسية فى تلك السنوات الصاخبة من تاريخنا المعاصر.

طبت أيها الصديق والرفيق حيًا وميتًا، إن اعتزازنا بك راحلاً لا يقل عنه فى وجودك مقيمًا، فلقد تسللت إلى العقول والقلوب بتواضعك الزائد ورغبتك الدائمة فى الدفع بالوطن إلى مدارج العلم وأجواء المعرفة ولن تنساك مصر ولا البحث العلمى فيها ولا أبناؤها فى الداخل والمهجر قطبًا تعلقت به الأجيال وتبارى الشباب فى حضور لقاءاته الفكرية والعلمية فى دار الأوبرا المصرية وخارجها، أما أنا وفاروق جويدة وغيرنا الآلاف فإننا نفتقد طلتك الباسمة وروح الأمل المتجدد الذى كنت تبثه فى أرجاء وطننا.. وسوف تبقى ذكراك تدفع بمعارف ابن حيان، وأضواء ابن الهيثم، وأمجاد أجدادك الفراعنة!

* نقلا عن " الأهرام "

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أحمد زويل فى ذكراه أحمد زويل فى ذكراه



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon