توقيت القاهرة المحلي 11:52:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العلاقات الفرنسية ــ الأمريكية

  مصر اليوم -

العلاقات الفرنسية ــ الأمريكية

بقلم - مصطفي الفقي

أشعر دائمًا بأن المنافسة الثقافية بين الفرانكفونية والانجلوفونية تنعكس مباشرة على العلاقات الفرنسية الأمريكية، إذ إن فرنسا دولة بلا وريث قوى بينما تمتلك المملكة المتحدة امتدادًا فاعلًا وقويًا بوجود الولايات المتحدة الأمريكية، وهو امتداد فكرى ولغوي، لذلك فإن العلاقة بين بريطانيا وفرنسا ذات انعكاس مباشر على العلاقات بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، إذ إن واشنطن هى الوريث الطبيعى للوجود البريطانى سياسة ودبلوماسية وثقافة، ولقد وعى الفرنسيون فى العقود الأخيرة أن الولايات المتحدة الأمريكية رصيد قوى لبريطانيا، بينما تفتقد فرنسا ذلك الرصيد بل تشعر دائمًا بأنها متفردة عن غيرها لذلك تعطى اهتمامًا كبيرًا بالثقافة الفرنسية فى سياستها الخارجية وهى تدرك جيدًا أنه ليس لها من وريث داعم وقوى، بل إن التقدم التكنولوجى قد أضاف عليها عبئًا سلبيًا يتمثل فى ثورة الاتصالات والطفرة الهائلة فى مجال التواصل الاجتماعى معترفين بأن لغة الكمبيوتر الأولى هى الإنجليزية، بينما تستأثر الثقافة الفرانكفونية بأنها لغة الفلسفة والفكر والأدب، لذلك فإن الخلاف الذى يثور بين باريس وواشنطن من حين لآخر ليس خلافًا سياسيًا بقدر ما هو خلاف ثقافى وفكرى له جذوره الضاربة فى أعماق التاريخ الأوروبى وتواصله مع العالم الجديد الغربى الأطلنطي، ويرجع الفضل لشخصية شامخة وقامة عالية شكلًا وموضوعًا وأعنى بها شارل ديجول الذى حاول تجسيد شخصية فرنسا فى مراحل تاريخها الصعبة سواء فى أثناء الاحتلال النازى أو فى أزمة الجزائر، فكان ديجول هو المنقذ فى الحالتين وهو ضمير فرنسا الحقيقى، وهو الذى أدرك مبكرًا أن السياسة الأمريكية ليست متسقة تمامًا مع سياسات دول غرب أوروبا وفى مقدمتها فرنسا، لذلك فهو الذى زرع التقليد الدائم الذى جعل لباريس مواقف مستقلة فى السياسات الدولية والإقليمية، كما أنه هو الذى جعل لبلاده شخصية تتمتع باستقلال نسبى فى المواقف تجاه الأزمات العالمية والمشكلات الدولية لذلك فإنه يصعب الحديث عن طبيعة علاقة فرنسا بالسياسة الأمريكية، وربما كانت التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسى ماكرون هى امتدادا لذلك النهج الذى بدأه الفرنسى العملاق شارل ديجول، إذ ليس ماكرون هو أول فرنسى يتمرد على السياسة الأمريكية بل سبقه رؤساء آخرون أتذكر منهم فرانسوا ميتران وجاك شيراك خصوصًا عندما اختلف الموقف الفرنسى مع السياسة الأمريكية فى الحرب على العراق، وتندرت واشنطن وقتها بأن دول غرب أوروبا تبدو أمامها وكأنهم (عواجيز الفرح)، ولقد أصبح هناك تقليد تكرر كثيرًا تبرز من خلاله خلافات بين باريس وواشنطن على الساحتين الدولية والأوروبية، وحدثت الحرب الأوكرانية الروسية وظهر الخلاف الطفيف لوجهتى النظر بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية حتى إن ماكرون هو الذى تولى زيارة موسكو والحوار مع الرئيس الروسى بوتين برغم الاعتراف بالخلاف بينهما فإنه هو صاحب العبارة التى تقول (يمكن هزيمة روسيا ولكن لا يتعين سحقها) مشيرًا إلى الكبرياء التاريخى للدب الروسى فى المعارك العسكرية والدبلوماسية معًا، بينما زار رئيس وزراء بريطانيا حينذاك بوريس جونسون أوكرانيا على الجانب الآخر فى مشهد داعم لها لمواجهة موسكو بل وذهب الرئيس الفرنسى فى زيارة رسمية إلى بكين فى محاولة لقراءة الموقف العام لجمهورية الصين تجاه النزاع الروسى الأوكراني، لذلك فإن التصريح الأخير للرئيس الفرنسى ماكرون عن أن أوروبا الغربية ذات شخصية مستقلة لا تتطابق دائمًا مع الرؤية الأمريكية، هو تصريح يعكس المعانى التى طرحناها فى السطور السابقة، إن ما نريد أن نؤكده هو أن العلاقات الفرنسية الأمريكية هى علاقات تتسم بقدر من الندية تحتفظ فيها باريس بآراء مستقلة ومواقف قد تختلف – ولو فى التفاصيل – عن واشنطن وذلك لا ينفى بالطبع أن الغرب غرب فى مجمله وأن هناك قواسم مشتركة فى الثقافة والفكر والسياسة بين دول المنظومة الغربية مهما اختلفت بعض التفاصيل، لذلك فإن ما لاحظته شخصيًا فى أثناء عملى مع الرئيس المصرى الراحل مبارك وخلال الزيارات المتبادلة مع الرئيس الفرنسى كان واضحًا على الدوام أن السياسة الفرنسية ليست تابعة للسياسة الأمريكية، وأنها تتمتع بقدر من حق الاختلاف ومساحة من الحوار البناء الذى أصبح مستقرًا فى ثقافة الدبلوماسية الفرنسية أمام مختلف القضايا والظروف، وتتسم العلاقات بين القاهرة وباريس بقدر كبير من الاستقرار منذ أن أعلن الرئيس الفرنسى العظيم شارل ديجول فى يوليو 1967 أن فرنسا سوف تقرر موقفها من الصراع العربى الإسرائيلى بإدانة من يبدأ بالعدوان وقد التزمت فرنسا بذلك وأوقفت شحنات من السلاح كانت إسرائيل تسعى للحصول عليها، ولذلك فإن فرنسا وجه مقبول نسبيًا لدى عدد من الدول العربية فى مقدمتها مصر بسبب تمردها على التبعية للولايات المتحدة الأمريكية واتخاذها مواقف مستقلة فى كثير من الأزمات والمشكلات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العلاقات الفرنسية ــ الأمريكية العلاقات الفرنسية ــ الأمريكية



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 11:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
  مصر اليوم - منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon