توقيت القاهرة المحلي 13:35:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حوارات مع بطرس غالى (2- 2)

  مصر اليوم -

حوارات مع بطرس غالى 2 2

بقلم - مصطفي الفقي

كنت طالبًا فى السنة الثالثة فى قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد، وكان الدكتور بطرس غالى هو الذى يقوم بالإشراف على ما يسمى قاعة البحث وهى الفترة الحرة فى الأسبوع التى يتحدث فيها الأستاذ مع طلابه ويوزع عليهم رؤوس الموضوعات ويطلب منهم إجراء الدراسات حولها، وقد اخترت يومها موضوعًا يتصل بمفهوم التنظيم الدولى الإسلامى، واقترحت على أستاذى أن أستمد من كتاب عبدالرحمن الكواكبى «أم القرى» نقطة انطلاق للبحث فى إمكانية تحقيق تنظيم دولى إسلامى وفقًا لقواعد المجتمع الدولى المعاصر، وفى إطارٍ من الاعتراف المتبادل بين المجموعات البشرية على مختلف دياناتها، وأشهد أن الدكتور بطرس غالى قد أبدى حفاوة بالموضوع وشجعنى على المضى فى كتابته ولم أر فى حياتى شخصًا لا يوجد لديه ذرة تعصب دينى مثل ذلك الرجل الذى نذر نفسه لخدمة العلم والمعرفة والقانون والسياسة فى إطار العلاقات الدولية القائمة، وأتذكر جيدًا يوم أن جاء دورى لعرض بحثى فى القاعة وملاحظات الدكتور بطرس غالى القيمة وأفكاره النيّرة، وعندما علق بعض زملائى على أن لغة البحث كلاسيكية تتجاوز حدود ما هو متبع فى لغة الصحافة رد عليهم دكتور بطرس غالى بأن الشكل جزء من المضمون وانعكاس له، لذلك فإنه لا يرى مجالا لمثل هذا النقد، خصوصًا أن الأفكار واضحة والمقترحات جادة والموضوع مطروق دائمًا، كما أن عبدالناصر كان قد كتب فى فلسفة الثورة فقرة عن موسم الحج باعتباره مؤتمرًا إسلاميًا سنويًا.

وانتقلنا من نقطة إلى أخرى فى ثراء فكرى كبير برعاية من أستاذ قاعة البحث فى مادة التنظيم الدولى الذى أضحى بعد ذلك نجمًا عالميًا كبيرًا ووصل إلى أعلى الدرجات فى الوظائف الأممية الكبرى عندما أصبح أمينًا عامًا للأمم المتحدة، ومازلت أتذكر حصافة هذا الرجل وقدرته على الاحتفاظ بشعرة معاوية بينه وبين أجهزة العصر الناصرى، فالتاريخ العائلى لبيت غالى هو تاريخ مثير، خصوصًا ما يتصل بجده الراحل بطرس باشا الذى اغتيل عام 1910 على يد إبراهيم ناصف الوردانى طالب الصيدلة الذى كان يدرس فى الخارج، وعاد إلى الوطن ليجد طنينًا متواصلًا عن دور بطرس باشا فى مد امتياز قناة السويس والوجود الأجنبى فى السودان والملابسات الأليمة للجريمة البريطانية فى دنشواى، حيث كان بطرس باشا هو وزير الحقانية وقتها، وبغض النظر عن ذلك الطنين، فقد كان لبطرس باشا مآثر أخرى باعتباره واحدًا من أفضل أبناء سلك الخدمة المدنية فى الدولة المصرية، بالإضافة إلى مواقفه المعتدلة تجاه الفتنة الطائفية المحتدمة بين الصحافة الإسلامية والصحافة القبطية فى مطلع القرن العشرين، وكان قبل ذلك أهم مؤسسى جمعية التوفيق القبطية، ويذكر له أنه هو الذى هرع إلى خديو مصر محتجًا عندما عزل الأخير الشيخ البشرى من منصبه الدينى الرفيع، ولقد اتصل بى أستاذى كثيرًا فى سنوات تقاعده وطلب منى عام 2010 أن أكون المتحدث الوحيد فى احتفالية مئوية جده بطرس باشا، وأن ألقى كلمة موضوعية فى تكريم ذلك الرجل الذى ثار حوله الكثير من الجدل واختلفت عنه الآراء، وبالفعل ألقيت الكلمة الوحيدة فى ذلك الاحتفال المهيب الذى ضم صفوة كبيرة من الأقباط والمسلمين فى مدفن بطرس باشا بالكنيسة المرقسية بالعباسية والتى نقل إليها الرفات فى ثلاثينيات القرن الماضى بعد أن جرى استكمال المدفن برخامٍ مستورد من إيطاليا وبكفاءة المهندسين المصريين الأقباط، وهى كنيسة صغيرة الحجم لكنها تبدو أنيقة متميزة، خصوصًا بعد أن جاورتها الكاتدرائية المصرية الكبرى، فكان اختيار آل غالى ومريدى بطرس باشا لموقعها اختيارًا ذكيًا وموفقًا، ولقد تعددت جلساتى مع أستاذى فى سنواته الأخيرة، خصوصًا أننى الذى أقنعت الرئيس الراحل مبارك بترشيح الدكتور بطرس غالى لمنصبه فى الأمم المتحدة، بعد أن كان نجاحه فى الانتخابات الدولية أمرًا مستبعدًا بسبب حدة المنافسة وتفرد المنصب، وعندما زرته فى مكتبه بالأمم المتحدة فى نيويورك أنا وأسرتى الصغيرة أقام لنا غداءً فى مسكنه بحضور قرينته الصامدة الذكية ليا نادلر، ولم يتغيّر بطرس غالى الأستاذ الجامعى والوزير الدبلوماسى والموظف الدولى الأول فى شخصيته وأسلوب تفكيره أبدًا، ومازالت أحاديثه معى فى شهوره الأخيرة باقية عن سد النهضة وأساليب الحل وطرائق التفكير وحساسية العلاقات التاريخية بين مصر وإثيوبيا مع اهتمام خاص من جانبه بمسألة السودان، مازالت كل هذه الأحاديث تمثل لدىّ رصيدًا من الثقافة السياسية دوليًا وإقليميًا لا يغيب عن تفكيرى أبدًا.. رحم الله ابن مصر البار د. بطرس بطرس غالى الذى أشرف بأننى مشترك معه فى يوم الميلاد 14 نوفمبر!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حوارات مع بطرس غالى 2 2 حوارات مع بطرس غالى 2 2



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon