توقيت القاهرة المحلي 01:09:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأسلوب الإسرائيلي

  مصر اليوم -

الأسلوب الإسرائيلي

بقلم - مصطفي الفقي

ظهرت الحركة الدبلوماسية لوزارة الخارجية فى خريف ١٩٧١ وتضمنت نقلى نائبًا للقنصل المصرى فى لندن، ولقد سعدت بذلك رغم علمى بمشقة العمل القنصلى، لكننى رأيت أن وجودى فى لندن سوف يكون فرصة لاستكمال دراستى للدكتوراة، خصوصًا أننى كنت قد سجلت فى جامعة القاهرة لدرجة الماجستير بإشراف الراحل الدكتور إبراهيم صقر فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.

وعندما هبطت بى الطائرة - أنا وزوجتى - فى العاصمة البريطانية كنت ألتهم الأماكن والمشاهد والشوارع والميادين فى نقلة نوعية كبرى فى حياة ذلك القادم من مصر بعد رحيل الرئيس عبدالناصر بعدة شهور، ولم تكن أول مرة أركب فيها الطائرة فقد كانت الأولى هى رحلتى فور تخرجى عام ١٩٦٦ ممثلًا للشباب المصرى فى احتفالات الجزائر بعيد الاستقلال ونقل رفات الأمير عبد القادر الجزائرى من سوريا إلى وطنه فى الجزائر، كما أنه كان قد جرى تكليفى للقيام بمهمة حامل حقيبة إلى دول شرق إفريقيا، حيث زرت السودان وإثيوبيا والصومال وكينيا وتنزانيا وغيرها من الدول الإفريقية التى كان لمصر رصيد كبير فيها من سياسات العصر الناصرى التحررية والتنموية، وأتذكر أنه أثناء رحلة الطائرة ما بين نيروبى ودار السلام أن جاءتنى المضيفة وهى تحمل طبقًا صغيرًا عليه تفاحة قائلة لى: هذه تحية من الراكب معنا سكرتير أول السفارة الإسرائيلية فى نيروبى، فارتبكت ارتباكًا شديدًا لأن التعامل مع إسرائيلى فى ذلك الوقت كان يعد خيانة عظمى، لذلك تمنيت لو أن هناك نافذة لأقفز من الطائرة وتمتمت بعبارة الشكر للمضيفة وانزويت فى مكانى قلقًا مما حدث لأننى لم أكن أدرك أن الأسلوب الإسرائيلى وقتها كان يعتمد على اختلاق الأحاديث المشتركة أو افتعال محادثات مباشرة مع أبناء الدول العربية، وقد كان التفاح فاكهة ثمينة نادرة فى مصر فى ذلك الوقت قبل حدوث الطفرة الكبرى فى إنتاج الفواكه فى مصر على يد الراحل د. يوسف والى، أستاذ البساتين ووزير الزراعة الأشهر فى الدولة المصرية. أقول ذلك وأنا أتذكر الآن واقعة هزت كيانى بشدة حيث كنت أجلس فى مكتبى بمبنى القنصلية المصرية فى لندن.

وقد كان قصرًا رائعًا فى شارع مغلق تسكنه الأميرة مارجريت، أخت الملكة، ثم الأمير تشارلز، ولى العهد لفترة معينة، وكان لعدد من الملوك والرؤساء فى عصرنا قصور فى ذلك الشارع المميز الذى يقف على طرفيه حرس ملكى بريطانى وكان مبنى القنصلية المصرية يحمل رقم ١٩ فى ذلك الشارع ويبدو كالأيقونة لأنه كان مملوكًا للجمهورية السورية قبل الوحدة ثم دخل فى مقاصة المبانى بعد الانفصال فآل إلى جمهورية مصر العربية حتى انتهت فترة تخصيصه فاشتراه سلطان بروناى وانتقلت القنصلية المصرية إلى موقع آخر بعد ذلك بسنوات، وبينما كنت أجلس فى مكتبى بمبنى القنصلية عام ١٩٧١ حيث كان يضم عشرات بل مئات من المصريين والأجانب لإتمام المحررات القنصلية المختلفة أو الحصول على تأشيرة دخول لمصر دخل فى زحام المواطنين شاب يبدو أوروبيًا وفى الغالب إنجليزى اللهجة وقال لى: إننى ممثل اتحاد الطلاب فى جامعتى ونريد أن نقيم حوارًا مع اتحاد طلاب المصريين فى لندن فهل تتكرم على باسم الشخص الذى أقابله والمكان الذى يوجد فيه؟ وبعفوية شاب فى العشرينيات من العمر سحبت ورقة كتبت فيها عنوان المكتب الثقافى رقم ٤ شارع شيستر فيلد جاردنز غرب لندن (1)، وقلت له: هذا هو المكتب الثقافى وتستطيع أن تذهب هناك وتسأل عمن يمكن أن يساعدك فى ذلك، وجدير بالذكر أن مبنى المكتب الثقافى فى لندن كان ولايزال قصرًا رائعًا مملوكًا للدولة المصرية قضى فيه الأمير فاروق بضعة شهور قبل عودته من لندن إثر وفاة والده الملك فؤاد، وكان يشرف على ولى العهد آنذاك شخصيتان مهمتان فى تاريخ مصر الحديث هما عزيز المصرى، مفتش الجيش ورائد ولى العهد المصرى، وكان معروفًا بالصرامة فى التربية، بينما زميله أحمد حسنين باشا الذى أصبح رئيسًا للديوان الملكى يتولى الجانب الاجتماعى والثقافى فى شخصية ملك مصر القادم، لقد طافت كل هذه المعانى فى ذهنى وأنا أعطى الشاب الذى تقدم إلى مكتبى طالبًا الحوار مع اتحاد الطلاب المصريين فى لندن، وفوجئت فى صباح اليوم التالى بصحيفة الجويش كرونيكال بخبر يتصدر الصفحة الرئيسية بعنوان السيد مصطفى محمد الفقى - ولم أكن كنت قد حصلت على الدكتوراة - يساعد فى إقامة حوار مشترك بين اتحاد طلاب المصريين واتحاد طلاب إسرائيل فى المملكة المتحدة.. وأن ذلك الدبلوماسى الشاب يشغل منصب نائب القنصل وهو الذى أوضح عنوان مقر اتحاد الطلاب المصريين حتى يتم الحوار بين الطرفين، وأصابنى ما يشبه الدوار، فقد اكتشفت أن من جاء إلى مكتبى لم يكن إلا رئيس اتحاد الطلاب الإسرائيليين فى لندن ولم يكشف عن شخصيته وقام بعملية تغيير للحقائق بعد أن أخفى جنسيته وهدفه تحت ستار مهمة طلابية بريئة، وقامت الدنيا ولم تقعد فقد كان ذلك أمرًا مرفوضًا تمامًا فى ذلك الوقت ولم يخطر على بالى أننى وقعت فريسة لذلك الخبر الزائف الذى يروج لنوع من التطبيع بين مصر وإسرائيل، وذهبت إلى مكتب السفير الراحل كمال رفعت وشرحت له ما جرى وتم الإبراق للقاهرة بالواقعة وملابساتها، ويومها أدركت عن يقين أن الأساليب الإسرائيلية لها طابع خاص قد يصعب اكتشافه، وكلما سمعت بيانات الجرائم الإسرائيلية فى غزة وتزييف الحقائق على لسان المسؤولين فيها تذكرت تلك الواقعة وآمنت بضرورة التأكد من نوايا كل من أتحدث إليه خصوصًا على المسرح السياسى!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأسلوب الإسرائيلي الأسلوب الإسرائيلي



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon