توقيت القاهرة المحلي 08:26:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صفحات الحوادث

  مصر اليوم -

صفحات الحوادث

بقلم - مصطفي الفقي

منذ أن وعيت فى سن مبكرة أهمية الصحافة أدمنت قراءة الصحف اليومية بكل تنويعاتها وأشكالها وأصبحت حريصًا على الوقوف طويلًا أمام صفحات الحوادث، لأننى أرى فيها مؤشرًا إلى الأمراض الكامنة فى داخل المجتمع، كما أنه يجعلنى قادرًا على التنبؤ بالمستقبل القريب على ضوء الحاضر القلق والمضطرب فى كثير من الأحيان، ولقد اكتشفت أن صفحات الحوادث هى أعراض لأمراض اجتماعية وأخلاقية متوطنة، ولكنها زادت بفعل الانفجار السكانى وشيوع المخدرات الجديدة التى تغمر أسواق الشباب وتجد مكانًا رائجًا فى ظل الأزمات النفسية ونوبات الاكتئاب وحالات الضجر والإحباط، ويهزنى جدًا ذلك النمط الوافد من الجرائم الغريبة خصوصًا فى إطار الأسرة الواحدة، أو تلك التى تكون نتيجة لانتكاسة عاطفية، أو رفض من أحد الطرفين لرغبة الطرف الآخر فى الاقتران به، ولقد لاحظت أن الأسلحة البيضاء تلعب دورًا كبيرًا خصوصًا إذا كانت الجريمة لا تتم مع سبق الإصرار والترصد، ولكنها وليدة لحظة غضب طائش وجنون مفاجئ فى أغلب الأحيان يكون صاحبها تحت تأثير المخدر ذلك العدو اللعين للشعوب وأجيالها الشابة عندما يتم إغراق بعض المواقع بالسموم البيضاء والأقراص المدمرة التى تثير فى المرء نوازع الشر وتنزع منه نعمة العقل فيقتل الابن أباه ويذبح الشقيق شقيقه ويضرب آخر أمه بعصا غليظة حتى الموت بل ويقدم أحد الآباء على قتل ابنائه انتقامًا من أمهم، وقد ينتحر هو نفسه فى نهاية المشهد، إن هذه الجرائم الوافدة تعطى إحساسًا مرًا بأننا نعيش فترة صعبة للغاية على المستويات الأخلاقية والاجتماعية بل والثقافية والاقتصادية أيضًا إذ إن معظمها يعبر عن تصرفات اليائس ويلخص مأساة المجتمع بوضوح لا يخفى على أحد، إن صفحات الحوادث فى الصحف والدوريات وتحليل أسبابها النفسية ودوافعها المعقدة يعطى إحساسًا واضحًا بما يدور حولنا، ويعتبر انعكاسًا للحالة العامة ومرآة للأوضاع التى آلت إليها البيئة الحاضنة لذلك المجتمع والمناخ الثقافى والاجتماعى بل والحالة الاقتصادية التى وصل إليها أى تجمع بشرى فى مرحلة معينة، ولنا على أوضاع صفحات الحوادث فى الصحافة المصرية والدراسة الاستقصائية لها الملاحظات التالية:

أولًا: إننى أظن أن طوفان المخدرات مسئول بالدرجة الأولى عن الدوافع التى تقف وراء معظم الجرائم الوافدة على مجتمعنا والغريبة عن طبيعتنا إذ إنه لا يمكن تفسير معظمها إلا بتوجيه الاتهام للمخدرات بأنواعها الجديدة وتأثيراتها المخيفة على مستقبل الأجيال، ولا شك أن الذين يصدرون تلك المخدرات إلى مصر إنما يستهدفون تقييد حركة المجتمع وتعويق مسيرته وضرب أجياله الجديدة فى مقتل ونحن نعترف هنا بالجهود الجبارة التى تبذلها الدولة بحملات منتظمة للحيلولة دون دخول تلك السموم البيضاء إلى أبناء الوطن، ولكن التحليل النفسى للتعاطى يؤكد أن كل مأزوم يلجأ إلى تعاطى المخدرات هربًا من الواقع ليعيش فى خيال مريض قد يدفعه إلى أبشع الجرائم دون تردد.

ثانيًا: إن التفكك الأسرى بل والانهيار العائلى هو واحد من أهم الأسباب التى تدفع إلى الجرائم غريبة الطابع التى تودى بحياة أقرب الناس إلى مرتكبها الذى لا يدرك طبيعة ما يفعل، ولا يملك الوعى الكامل الذى يردعه عن الإقدام على مثل هذه الجرائم الشنعاء، ولقد شاعت فى السنوات الأخيرة عمليات قتل الرجال للنساء اللاتى يرفضن الارتباط بهم فى سوابق لم تكن معهودة من قبل، وهى مؤشر على التفاوت الثقافى والاجتماعى وغياب المودة الصادقة واختفاء الحب الحقيقى من شبكة العلاقات البشرية، خصوصًا فى الجامعات والوظائف الحكومية، فضلًا عن الضغوط الاقتصادية على الجانب الآخر التى تضع على كواهل الشباب أعباء ينوء بحملها فيهرب إلى الجريمة بغير وعى تخلصًا من المشاعر المتناقضة التى تتصارعه وتدفع به إلى التهلكة.

ثالثًا: إن ما جرى وما يجرى من جرائم قد بدأ ينتشر بحكم شيوع المعلومات عنها وانتشار أخبارها فى ظل (السوشيال ميديا) وما تجره على البلاد والعباد من ويلات فهى مسئولة إلى حد كبير عن انتشار الجريمة والترويج لأخبارها بل والاندفاع نحو محاكاتها.

هذه قراءة عاجلة لطبيعة الجرائم الوافدة على المجتمع المصرى فى السنوات الأخيرة ونحن لا ننسى أن الانفجار السكانى مسئول عن جزء كبير منها، كما أن الانهيار الأخلاقى مسئول عن جزء آخر لها، ولكنها فى النهاية ظواهر مقلقة للحالة العامة فى مصر ومؤشر خطير لتردى القيم وضعف منظومة الأخلاق فى بلادنا، ولا نستطيع أن نتصور أن ما نتحدث عنه هو حكر علينا، بل هو جزء من ظاهرة عالمية تشير إلى تزايد الجرائم وغرابة دوافعها، ويكفى أن نتذكر ما يجرى فى المجتمع الأمريكى من جرائم دامية حتى فى المدارس حيث يعتبر حمل السلاح أمرًا مألوفًا فى تلك الدولة الكبرى بكل ما لها وما عليها، إن صفحات الحوادث تثير أحيانًا التشاؤم والغضب، ولكنها تحرك أيضًا الإحساس المشترك بضرورة التركيز على التربية الجادة والترشيد السليم للأخلاق وإحياء منظومة القيم، خصوصًا فى قطاع الشباب على جميع المستويات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صفحات الحوادث صفحات الحوادث



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon