توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات (7) «أوهام الطفولة وأحلام الشباب»

  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات 7 «أوهام الطفولة وأحلام الشباب»

بقلم - مصطفى الفقي

ما زلت أتذكر ذلك القدر من المحرمات التى صنعها وهم الطفولة فى سنى العمر الباكرة، فقد توهمت فى قريتنا أن الباشا الذى يملك لا بد أن يكون أكثر الناس فطنة وذكاءً وعلمًا، وذات يوم دخل عليه أحد مساعديه قائلًا: يا باشا هذا تلغراف تهنئة بالبريد من النحاس باشا زعيم الوفد ورئيس الوزراء، فقال له الباشا: أطلعنى عليه حتى أرى خط النحاس باشا!.

وبطفولتى البريئة قلت فى نفسى- وأنا لم أتجاوز السادسة- إن التلغراف لا يأتى بخط صاحبه ولكن بدقات حروف الجهاز الذى يكتبه. وذات يوم فى أحد أيام الشتاء وكنت عائدًا من زيارة زميل فى الدراسة وكان الشارع خاليًا، فى ليلة باردة وشبه مظلمة رأيت فى طريقى قسيسًا يحمل عصاه الطويلة وقد عرفت بعد سنوات أنه كان القمص بولس عبد الله راعى كنيسة مدينة دمنهور فى خمسينيات القرن الماضى.

فأصابتنى لحظتها رجفة رعب وتخيلت من كثرة ما تم شحنه فينا من خيال مريض وقصص واهية أن رجل الدين المسيحى سوف يؤذينى، مع أن رجال الدين هم بالضرورة دعاة المحبة وأصحاب الكلمة الطيبة، وتأكد لى وقتها أن المجتمع يفرز أوهامًا تستقر فى أذهان الصغار وتسبب لهم الكثير من المخاوف، ونقاط الضعف التى قد تتحول إلى مشاعر قوية وصادقة فى حب الآخرين.

والتخلص من العقد التى زرعتها التربية السيئة فى وجدان الصغار، ولعل ذلك يفسر إلى حد كبير تعاطفى الشديد مع إخوتنا الأقباط، وإيمانى أننا نسيج وطن واحد ولسنا عنصرين كما تردد أغنية سيد درويش الشهيرة، ولقد تحولت هذه الأوهام ومثيلاتها إلى نقاط قوة تعكس تمامًا الرفض الذاتى لما تم شحنه وتفريغه فى عقول الأجيال الجديدة خصوصًا من أبناء القرى أو مدارس الأقاليم.

ولقد كنت طفلًا خجولًا رغم دائرة الأصدقاء المحيطة بى باعتبارى طالبًا متفوقًا ومعروفًا، إلا أن ذلك لم يعالج نقطة الضعف لدىّ حتى كنت أخطب وسط أفواج الدجاج التى تجرى تربيتها فى حظائر المنزل ويفوق عددها المئات، وإذا ارتفع صوتى صائحًا ردد أحد الديكة الصياح وتحركت الدجاجات فى أحد الأركان ربما خوفًا ورعبًا!.

وانتقلت بعد ذلك إلى مرحلة الإذاعة المدرسية فى المرحلة الإعدادية حيث أصبحت متحدثًا معروفًا وإذاعيًا مطلوبًا فى طوابير الصباح وعند المناسبات المختلفة والزيارات المفاجئة للمدرسة الأميرية العريقة فى مدينة دمنهور، واستبد بى فى تلك السنوات حلم الشباب أيضًا فكنت أتمنى ألا يتم إلغاء الطربوش كغطاء رأس وطنى للمصريين.

وألا يتم أيضًا انتهاء العمل بالألقاب الفخرية، وكنت أقول لزملائى الصغار إننى أود أن أصبح مثل الباشا وأن أضع الطربوش على رأسى وأصبح زعيمًا حزبيًا مثل من كنت أسمع عنهم؛ صاحب المقام الرفيع النحاس باشا وأحمد ماهر باشا والنقراشى باشا وغيرهم من رموز الحياة السياسية فى ذلك العصر.

وقد يرى البعض أن تلك أحلام رجعية - وقد يكون هذا صحيحًا - ولكننى ما زلت أرى حتى اليوم أن مصر التى استقرت فترات فى عصر الملكية الدستورية قادرة على الاستقرار فى عهد الجمهورية البرلمانية، وتلك وجهة نظرى التى لا يتفق عليها الجميع، وكنت أتحدث مع نفسى دائمًا فى صمت قائلًا: إن الشكل جزء من المضمون وأن الاهتمام بالمظهر ليس رفاهية ولكنه عناية تلقائية بالجوهر.

وعندما قامت ثورة يوليو عام 1952 وبدأت أغانيها تصدح فى الراديو بأهازيج مثل (عالدوار.. عالدوار) كنت أسمع أبى يشرح لمجموعة من مساعديه الفارق بين ثورة محمد نجيب وهوجة عرابى، ويقول: إن ذكاء ثوار يوليو جعلهم يستبعدون الملك إلى الخارج فكان لهم الحكم.

أما الثوار العرابيون فقد استكانوا وابتلعوا الخديعة فكانت لهم المنافى والسجون، وكنا- أنا وزملائى- سعداء عندما نرسل خطابات بدون طابع بريد للبكباشى جمال عبد الناصر والصاغ كمال الدين حسين وغيرهما من أعضاء مجلس قيادة الثورة فإذا بنا نتلقى من كل منهم صورة شخصية وتوقيعًا نشعر معه أن كلا منا قد أصبح شخصية ذات وزن، وأن له كيانًا معترفًا به حتى من الوزراء ورئيس الحكومة التى تشكلت فى أحضان ثوار 1952.

ولكن حدث ما لم يكن فى الحسبان فى نهاية أربعينيات القرن الماضى عندما انتشر مرض التيفود وزار بيتنا رغم كل احتياطات النظافة، وفقدت شقيقًا صغيرًا كان اسمه (يحيى) وشعرت بحزن طفولى دفين، وما زلت أتذكر منظر جدى وهو يبكى وأمى التى فقدت ابنها تواسيه فى صبر حزين، وأنا أتساءل عن معنى الموت وكيف أن أخى لن يعود.. تلك صفحات مطوية من أوهام الطفولة تسكن فى الوجدان، أما أحلام الشباب فدورها قادم!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 7 «أوهام الطفولة وأحلام الشباب» اعترافات ومراجعات 7 «أوهام الطفولة وأحلام الشباب»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon