توقيت القاهرة المحلي 23:03:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ديمقراطية التعليم ومستقبل مصر

  مصر اليوم -

ديمقراطية التعليم ومستقبل مصر

بقلم - مصطفي الفقي

لن أتوقف عن التحذير الدائم لخطورة  القائم فى مصر على النسيج الاجتماعى للدولة والسلامة النفسية للشعب، إذ إن تعددية أنظمة التعليم فى مصر قد خلقت وضعًا مقلقًا للغاية، فلدينا تعليم دينى ومدنى، ولدينا تعليم عام وخاص ولدينا تعليم مصرى وأجنبى، والغريب فى الأمر أن ذلك التعدد فى النظام التعليمى المصرى لا يصب فى صالح المستقبل بل على العكس هو تعبير عن الطبقية الجديدة والتفاوت فى القدرات المادية للأسر المصرية، فضلًا عن أنه يصنع هوة كبيرة بين فئات المجتمع بل وينذر باحتمالات سلبية على الكيان المصرى الواحد من خلال توسيع تلك الهوة بين الطبقات وتكريس الصراع المكتوم على نحو يجعلنا نرى أكثر من مصر واحدة فى ذات الوقت، وإذا كنا نسلم من استقراء التاريخ الاجتماعى بأن التعليم هو سلم للصعود الطبقى فى كثير من الحالات إلا أن الصعود حاليًا لن يكون من طبقة إلى أخرى، ولكن من طبقة إلى طبقات مختلفة، وإذا كنا نباهى دائمًا بالتجانس السكانى والانصهار الاجتماعى فى بلادنا فإننى أخشى أن نصل إلى يوم نفتقد فيه ذلك، فأنا أرصد خريجين من أنواع التعليم المختلفة فى مصر وأرى الفوارق الضخمة فى نوعية العقلية وأساليب التفكير وأكتشف بسهولة المسافة الضخمة بينها وأدرك مباشرة أننا على حافة الخطر، فنحن نتحدث دائمًا عن تطوير التعليم وتحديث أساليبه، ولكننا لا نمس الجوهر الحقيقى للمشكلة، والذى يتمثل فيما يمكن تسميته ديمقراطية التعليم، ولمن لا يعرف بأن هناك عنصرين نعتمد عليهما فى تحقيق الاندماج الطبقى والتجانس المجتمعى وأعنى بهما الجندية والتعليم، فالخدمة العسكرية إلزامية تصنع درجة عالية من المساواة بين الطبقات المختلفة والأصول العرقية المتعددة والديانات المتجاورة، الكل أمام العلم المصرى سواء وخدمته فرض عين على كل شاب مصرى قادر، وقد كان الأمر ينسحب على التعليم أيضًا إذ أنه يحتوى الجميع على قدم المساواة ولا يميز بين غنى وفقير أو بين مصرى وآخر بسبب النشأة الاجتماعية أو العقيدة الدينية، ولكن التصنيف الجديد لنظم التعليم صنع تقسيمًا مختلفًا يمثل خطرًا دائمًا على مستقبل البلاد والعباد، فالتعددية التعليمية أصبحت نقمة على مصر والمصريين وليست نعمة مثلما هى فى الدول الأخرى نتيجة ارتباطها حاليًا بالتوزيع الطبقى للعائلات والافراد إنها تشبه إلى حد كبير مشكلة النقل والمواصلات فهناك حلول ثلاثة لها، إما الانتقال بالسيارات الخاصة الفارهة مثلما هو النموذج الأمريكى، وهو ما يعادل نظام التعليم الاستثمارى الخاص بمصروفات عالية، والنمط الثانى هو انتقال الفقراء بالدراجات العادية على النمط الآسيوى فى الصين والهند ودول جنوب شرق آسيا بما فيها الأسكوتر أو مانطلق عليه فى مصر التوك توك، وتلك هى وسيلة الفقراء للانتقال وهى تعادل المدارس العامة المهملة فى الأحياء الشعبية فى النظام التعليمى المصرى، أما النمط الأوروبى فالانتقال لديه يكون بوسائل النقل العام شريطة تحسين أوضاعها ورفع مستواها وهو ما نسعى إليه فى بلاد مثل مصر فيها فقراء وفيها أغنياء، ولكن الأغلب الأعم يأتى من الشرائح الأكثر عددًا والأشد فقرًا، وهؤلاء يجب أن يحتويهم التعليم العام ذو المستوى الجيد الذى يغنى عن غيره مثلما كان الأمر على عهد آبائنا وأجدادنا حيث كانت المدرسة الواحدة تضم أولاد الأغنياء والوزراء والطبقة المتوسطة والفقراء دون تفرقة أو تمييز فحفظ ذلك وحدة الشعب المصرى وتماسكه، ويقارن بعضنا بين هذه المدارس والجامعات الأجنبية فى مصر وبين خريجى المعاهد الدينية ومدارس الفقراء من أبناء الكنانة لكى يدرك الفارق الضخم فى طريقة التفكير وأسلوب التعبير وطبيعة المعتقدات السائدة والأفكار المستقرة فى أعماق كل فريق منها، لذلك فأننى أدعو إلى الإسراع فى إنشاء مجلس أعلى للتعليم يترأسه رئيس الدولة شخصيًا ويشارك فيه كل الوزراء المعنيين والخبراء المتخصصين وصولًا إلى تصور وطنى واحد يضع خطوطًا عريضة لمسار التعليم ونوعيته فى بلادنا المحروسة دائمًا بإذن الله، إن ما ندركه اليوم قد لا نستطيع تداركه غدًا واضعين فى الاعتبار الأرقام الفلكية لمصروفات بعض المدارس والجامعات الأجنبية وما يترتب على ذلك من هوة اجتماعية سحيقة تفصل بين طوائف المجتمع وطبقاته، إننى أخشى أن تذهب صيحتى هذه فى الهواء وتضيع فى وادى الصمت مثل غيرها فالأمر جد خطير ويحتاج إلى دراسات متعمقة فيها سياسيون واقتصاديون وعلماء اجتماع وإخصائيون فى التعليم والتربية مع ضرورة الاستماع إلى الرأى العام بمختلف مستوياته بدلًا من المضى فى طريق التجربة والخطأ والمحاولة والصواب، فلابد من دراسة علمية موثقة تضع الأمور فى نصابها وتسمح لمصر بأن تحلق فى فضاء الحداثة وتواكب روح العصر الذى تعيش فيه الدول الناهضة.

هذه كلمات صادقة لها دافع وحيد وهو الحرص على سلامة المجتمع وتماسك أطرافه وانصهار طبقاته فى بوتقة التعليم مثلما تنصهر فى بوتقة الجندية وخدمة العلم المصرى الذى يرفرف على ربوع البلاد بلا تفرقة أو استثناء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ديمقراطية التعليم ومستقبل مصر ديمقراطية التعليم ومستقبل مصر



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon