توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات (2) «صالون التأمل»

  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات 2 «صالون التأمل»

بقلم - مصطفي الفقي

كان تفوقى الدراسى فى المرحلتين الإعدادية والثانوية مصدر اعتزاز ذاتى أشعرنى دائمًا بأنه رغم أننى لست طالبًا يستذكر دروسه صباح مساء، إلا أننى الأول دائمًا حتى على منطقة البحيرة التعليمية بالكامل فى الشهادة الإعدادية عام 1958، وكنت مبهورًا فى الوقت ذاته بالأحداث الكبرى والتطورات السريعة للحركة القومية فى العالم العربى ودور مصر الناصرية ريادة وقيادة لتلك الحركة فى ذلك الوقت، وكنت أرتاد المنتديات الثقافية، خصوصًا بعد التحاقى بالجامعة وحضورى أول مناقشة دكتوراة، عندما وجدت لى مكانًا فى الصف الأول بالمدرج الرئيسى لكلية الحقوق جامعة القاهرة- خصوصًا أننا كنا ندرس فى ملحق تلك الكلية مقرًا للكلية الوليدة الاقتصاد والعلوم السياسية- وفى ذلك اليوم كانت مناقشة رسالة الطالب يحيى الجمل الذى أصبح وزيرًا ونائبًا لرئيس الوزراء فيما بعد.

وأتيح لى يومها أن أتعرف على الثلاثة الكبار فى القانون الدولى- رحمهم الله- وهم حامد سلطان من حقوق القاهرة، وعلى صادق أبو هيف من حقوق الإسكندرية، ومحمد حافظ غانم من حقوق عين شمس، وأظن أن موضوع الدكتوراة كان عن نظرية الاعتراف فى القانون الدولى، ومن بعدها أصبحت متابعًا دائمًا لمناقشات الرسائل العلمية الهامة مستمتعًا بالتواجد فيها، وذات يوم كنت أحضر مناقشة أخرى فى حقوق القاهرة أيضًا، وكانت لطالب عراقى أصبح أمينًا لمنظمة مجلس الوحدة الاقتصادية، وكان اسمه الصكبان، إن لم تخذلنى الذاكرة، وكان موضوعها حول الضرائب على التركات، وترأس اللجنة فى تلك المناقشة الدكتور حسين خلاف الأستاذ المرموق فى الاقتصاد والمالية العامة، وحدثت أمامى واقعة- أثناء المناقشة- تعلمت منها الكثير، فقد أومأ الدكتور خلاف بنظرة هادئة بحثًا عن أحد عمال القاعة ليأتيه بكوب ماء، وفوجئت بأن الدكتور محمد لبيب شقير عضو اليمين فى المناقشة يقوم من مقعده ويخرج من القاعة ويعود حاملًا كوب الماء لأستاذه، فضجت القاعة بالتصفيق، وكان لبيب شقير وقتها أستاذًا جامعيًا مرموقًا ونائبًا لوزير التخطيط، ثم أصبح بعد ذلك رئيسًا لمجلس الأمة، فتعلمت كيف يوقر العلماء أساتذتهم ويعطونهم القدر الذى لا يعلوه قدر آخر، وأتذكر أيضًا أننى أمضيت السنوات الدراسية الأربع بنجاح باستثناء الإخفاق فى السنة الأولى فى مادتى الإحصاء والاشتراكية العربية، وكان يدرس المادة الأخيرة لنا أستاذ كنت شديد الإعجاب به ولا أزال، وأعنى به الدكتور رفعت المحجوب.

والغريب أن النتيجة قد خرجت بنجاحى فى كل المواد وحصولى على تقدير ضعيف جدًا فى مادة الاشتراكية العربية، رغم أننى كنت وقتها شديد الالتحام بالفكرة والولاء لها، وعندما سألت الدكتور رفعت المحجوب بعد ذلك بسنوات عن طالب متميز فى الدراسات الاشتراكية، لكنه أعطاه أقل تقدير أجابنى متذكرًا: أهو أنت؟ قلت: ماذا تقصد؟ قال: لقد جاءتنى ورقة الإجابة لأحد الطلاب فى تلك المادة فى السنة التى تشير إليها وهى تبدو لى كالفخ الأمنى، فقد احتوت دراسة رصينة عن الاشتراكية العلمية وأهمية المضى من نموذج الاشتراكية العربية إلى الأخذ بالأسلوب الماركسى، وأضاف: «لقد تصورت أنها ورقة متعمدة من جهة أمنية للتحقق من ولائى السياسى لنظام الرئيس الراحل عبد الناصر، حيث كان الدكتور المحجوب مرشحًا دائمًا لمناصب عليا، ويومها تعلمت أن هناك فاصلًا بين الحماس الفكرى والولاء السياسى، وما زلت أتذكر تأثير الدكتور حامد ربيع عالم السياسة الفذ فى طريقة تفكيرى وأسلوب الانتقال عندى بين مفهوم الحضارة العربية الإسلامية ومنطق الحضارة الغربية المسيحية تجاه الموضوع الواحد، وما زلت أتذكره عندما أقلب بين مناهج البحث فى موضوع أكتبه وأتذكر كيف أن ذلك العالم العظيم قد لقى حتفه مسمومًا بفعل فاعل، وكأنما يكرر مأساة النهاية التى خاضها عبد الرحمن الكواكبى قبله بما يقترب من قرن كامل، ولا بد أن أعترف هنا أن الطموح السياسى قد بدأ يتسلل إلى أعماقى، وكنا نتتبع خطى زميلنا الذى يقترب منا فى العمر ولكنه يسبقنا فى الدراسة، وأعنى به الأستاذ الدكتور على الدين هلال- أطال الله فى عمره- وكان أمينًا للجنة الاتحاد الاشتراكى بالكلية، وكنت وقتها رئيس اتحاد طلابها.

وأتذكر أن الطالب على الدين هلال كان يعقد مؤتمرًا سنويًا نحضره جميعًا وأرى فيه حاليًا نموذجًا رفيعًا للحوار السياسى وقتها وانتزاع مساحة من الحرية على نحو لم يكن معهودًا فى مطلع ستينيات القرن الماضى، وكنا نخرج فى بعض الأيام إلى منطقة العتبة الخضراء نرشف ما كنا نسميه المشروب العقائدى وهو مزيج من عدد من العصائر الطبيعية نتندر به على الفكرين السياسى والاشتراكى معًا.. إن تلك الأيام الخوالى قد شكلت وجدانى وتركت بصمات قوية على أسلوب تعاملى مع الحياة ودفعتنى للدخول إلى صالون التأمل الذاتى الذى لم يتوقف أبدًا!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 2 «صالون التأمل» اعترافات ومراجعات 2 «صالون التأمل»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon