بقلم - مصطفي الفقي
وصلنى كتاب بعنوان (العلاقات المصرية الأمريكية بعد نصف قرن، تحديات الماضى وآفاق المستقبل) وهو صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام من تحرير الدكتورة دينا صلاح شحاتة الباحثة بالمركز، وتبدو أهمية هذا الكتاب فى ذلك الحشد من المشاركين فيه وأصحاب الدراسات التى تضمنها، وقد لفت نظرى بين صفحات ذلك الكتاب الفصل الذى أعده الدكتور جمال عبدالجواد مستشار المركز حول دورات الصعود والهبوط فى العلاقات بين القاهرة وواشنطن فى الخمسين عامًا الأخيرة، كذلك فإن الفصل الأول الذى أعده الأستاذ الدكتور محمد كمال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والخبير المعروف فى الشئون الأمريكية والدراسات المتعلقة بالعلاقات الدولية لواشنطن، يؤكد أننا أمام مجموعة من الأبحاث الملهمة لخبراء متخصصين فى أحد الأبعاد المهمة للسياسة الخارجية المصرية والمتمثلة فى علاقة القاهرة بالقوى الأكبر فى عالمنا المعاصر، ثم يأتى الفصل الرابع الذى أعده السفير اللامع كريم حجاج بعنوان إشكاليات إدارة العلاقة الاستراتيجية فى الشراكة المصرية الأمريكية، وهو حاليًا أستاذ ممارس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وهو يؤرخ للشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية بداية من سبعينيات القرن الماضى، حيث يرى الكثيرون من المعنيين بتلك الفترة أن زيارة الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون عام 1974 كانت هى فاتحة تلك الحقبة بما فيها من تحولات فى العلاقات الثنائية فى ظل تسارع المتغيرات الإقليمية والدولية، ويورد السفير حجاج أن العلاقة الشخصية بين الرؤساء لم ترق إلى درجة التقارب الشخصى التى ميزت علاقات السادات وكارتر أو مبارك وبوش الأب وهو الأمر الذى استمر خلال فترة حكم الرئيس مبارك وعلاقاته مع الرؤساء كلينتون وبوش الابن وأوباما حتى فى ظل محاولة الأخير استعادة طابع الخصوصية للعلاقات المصرية الأمريكية باختياره القاهرة منبرا يتوجه منه بخطابه الشهير إلى العالم الإسلامى فى عام 2009 بعد حالة الجفاء التى سادت العلاقة بين الرئيسين مبارك وبوش الابن، وإذا اعتبرنا أن فترة إدارة ترامب قد شهدت استعادة قدر من التقارب الشخصى فى العلاقات بين الرؤساء بعد مرحة طويلة من الفتور فإن تلك العلاقة الشخصية لم تنعكس على حال العلاقة السياسية بين البلدين بوجه عام، فقد ظلت الخلافات على المستوى المؤسسى فى العديد من القضايا فضلًا عن أن حالة الاستقطاب السياسى الحاد التى سادت الساحة الداخلية الأمريكية قد زادت الأمر تعقيدًا، ولذلك فإننا نقفز فوق هذه الأحداث المعروفة لنصل إلى ثورة يونيو عام 2013 باعتبارها التطور الأكبر الذى طرأ على السياسة الخارجية المصرية لأن القرار الأهم من جانب الولايات المتحدة الأمريكية فى هذا السياق جاء فى شكل امتناع الإدارة عن توصيف انحياز الجيش لثورة يونيو ضد حكم الإخوان باعتباره انقلابًا، وفى الوقت نفسه تحركت إدارة أوباما لحماية برنامج المساعدات لمصر حفاظًا على الشراكة الاستراتيجية معها، وبذلك بدا واضحًا اعتبار إدارة أوباما الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع مصر أولوية حتى عندما تعارض ذلك مع أولويات أخرى للسياسة الأمريكية فيما يخص مصر، غير أن ذلك لا ينفى الضرر الذى نتج عن القرارات المتخبطة للإدارة الأمريكية بتعليق المساعدات فى خطوة مدفوعة من اعتبارات داخلية بالدرجة الأولى، ولا شك أن مجموعة العوامل المؤثرة فى العلاقات المصرية الأمريكية تجعلها أحيانًا عرضة للاهتزاز، فإذا كان الطرفان قد اعتمدا فى السابق على عزل الشراكة الاستراتيجية عن الخلافات التى كانت تعترى المستوى السياسى كأسلوب لإدارة العلاقة واجتياز ما تعرضت له من أزمات فإنه يصعب تصور إمكانية الاستمرار بهذه المقاربة فى ظل التطورات الجديدة.
من هنا تبدو أهمية مراجعة الأسس التى قامت عليها العلاقات المصرية الأمريكية بهدف بلورة منظور مشترك ينتقل بها إلى قاعدة من التفاهم الاستراتيجى على غرار ما حدث خلال مرحلة البداية فى سبعينيات القرن الماضى واضعين فى الاعتبار المستجدات التى طرأت منذ ذلك الحين على الصعيدين الإقليمى والدولى، ومن المؤكد أن إعادة عملية التقييم المطلوبة يجب أن تتأسس على حوار صريح بين الجانبين يدور حول مختلف أوجه تلك العلاقات وفى جوهره المنظور المشترك الحاكم للشراكة الاستراتيجية بينهما، ويستطرد السفير حجاج فى تعداد نقاط القوة الحالية على الجانب المصرى, مشيرًا إلى الموقف الذى اتخذته إدارة ترامب السابقة دعمًا لمصر فى قضية سد النهضة، وهو ما يعتبر مثالًا واضحًا لإمكانية القفز بالعلاقات فوق الإشكاليات والحساسيات لنصنع نموذجًا قويًا لعلاقات استراتيجية وثيقة بين القاهرة وواشنطن على ألا تتأثر تلك العلاقات بتغيير الإدارات أو غير ذلك من الأمور المطروحة على ساحة التمثيل الدبلوماسى، ونحن نتطلع إلى يوم تكون العلاقات فيه بين القاهرة وواشنطن نقية وعادلة دون أن تتأثر بأهواء أشخاص أو أطماع ساسة أو المرور من خلال طرف ثالث خصوصًا أن العالم قد بدأ يأخذ بمنطق الأحلاف الناقصة بحيث لا تصبح العلاقة بين القاهرة وواشنطن – على سبيل المثال – هى علاقة على حساب القاهرة مع غيرها، ففى الساحة الدولية متسع للجميع وملتقى للكل بشرط أن نؤمن بمستقبل سكان هذا الكوكب وانكماش محاولات ترويع ابنائه بخلق الأوهام وتصدير الشائعات وتزييف الحقائق.