توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا»

  مصر اليوم -

«إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا»

بقلم - مصطفي الفقي

تمتد ذكرياتى مع الزلازل إلى سنوات طويلة.. فى عام 1957 ضرب زلزال خفيف منطقة الدلتا وكنت أعيش فى مدينة دمنهور مع أسرتى، وشعرنا به فى الساعات الباكرة من الصباح، وكانت تلك أول تجربة مع الهزات الأرضية، وقال أبى يومها - رحمه الله -: (إنها على ما يبدو انعكاسات للقنابل النووية فى بعض الأماكن التى تجرى فيها تجارب على ذلك السلاح الخطير)، ولم يستوعب خيال طفل تجاوز قليلًا الثانية عشر من عمره ذلك التحليل، ولكننى شعرت بأن الأرض إذا تحركت فليس للإنسان أمان يشعر به ولا اطمئنان يحيطه، وظل الأمر فى ذاكرتى يستيقظ كلما حدثت هزة أرضية شعرت بها أو سمعت عنها أو قرأت أخبارها، وكلما كنت فى مناسبة وتحتم علىَّ أن أقضى ساعات فى أحد الأدوار العليا، فإننى أستعيذ بالله دائمًا من مفاجأة زلزالية تطيح بمشاعر السكينة التى تسيطر علينا فى الأحوال العادية، خصوصًا أننى أضع نفسى دائمًا فى وضع الطرف الآخر الذى يتعرض لغضب الطبيعة أيًا كان نوعها، وبينما كنت أعمل دبلوماسيًا فى الهند وأعيش أنا وأسرتى فى مدينة نيودلهى، كنا نذهب فى بعض أيام الشتاء الدافئ إلى إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان، وهى منطقة تستحق النزاع عليها والقتال من أجلها بما فيها من بحيرات محاطة بالحدائق حيث يعيش الناس، خصوصًا من جاءوا للسياحة من أمثالنا ليقضوا أيامًا فى العوامات المهيأة للإقامة المريحة.. وفى إحدى الليالى وبقرب الفجر كانت زوجتى وابنتى نائمتين وأنا مستيقظ أستمتع بالقراءة فى الهدوء الذى أعيشه فى سويسرا الشرق، وأستمع إلى صوت المؤذن لصلاة الفجر فى أواسط آسيا وكأنما تردد جبال الهيمالايا صدى صوت الشيخ المؤذن بلكنة غير عربية، ولكنها تفيض سماحة ونورانية فى تلك اللحظات الرائعة عند الفجر.. وبينما أنا أشعر بالهدوء بين النوم واليقظة فإذا العوامة تهتز اهتزازًا عنيفًا حتى إننى تخيلت أن أسودًا ونمورًا تجرى فوقها وتؤدى إلى اهتزازها بهذا الشكل المفاجئ. وفى الصباح، علمت أن زلزالًا كان هو السبب فيما جرى، وأن الشعور به فوق المياه قد يزداد عن الشعور به فوق الأرض، ولكن الخسائر تكون أقل.

وفى عام 1992، كان من المقرر أن أرافق الرئيس الراحل حسنى مبارك ضمن الوفد المسافر فى زيارة رسمية لجمهورية الصين، وبالفعل، سلمت حقيبتى قبل الرحلة بيومين كالمعتاد للمسؤولين عن شؤون السفر فى مؤسسة الرئاسة حتى تسافر على طائرة الأمتعة المسماة C130، ثم حدثت قصة السيدة الأرمنية التى أطاحت بالمشير أبوغزالة - رحمه الله - وبعدد من ضباط الشرطة الكبار، وأصابنى منها رذاذ كان يجب أن أتنبه له ولكننى قللت من شأنه حتى جاءنى اتصال من مؤسسة الرئاسة بأن الرئيس قد قرر إنهاء انتدابى وعودتى إلى وزارة الخارجية كوزير مفوض فى ترتيبى الطبيعى بين درجات السلك الدبلوماسى والقنصلى، وبذلك طلبوا منى أن أرسل من يستعيد حقيبة سفرى لأننى لن أذهب فى رحلة الصين كما كان مقررًا من قبل، واندهشت كثيرًا لما جرى بعد ذلك، حيث قطع الرئيس مبارك زيارته لبكين عندما وصلت أخبار الزلزال فى اليوم التالى، وكانت هى المرة الوحيدة فى تاريخ أسفاره التى يقطع فيها الزيارة ويعود إلى الوطن بسبب كارثة الزلزال الذى ضرب القاهرة وترك آثارًا من عمارات متهدمة وأبنية متصدعة ومآذن أثرية تشققت بفعل ذلك الزلزال الذى شعرنا به جميعًا، حتى اتصل بى فى ذلك اليوم زميلى السفير شكرى فؤاد ميخائيل، وقد كان صديقًا عزيزًا، ليقول لى فى محادثة تليفونية: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) فى نبرة أسف لما حدث ومواساة لى فى استبعادى من مؤسسة الرئاسة، وكيف أن رد الفعل الإلهى قد جاء بعد ساعات قليلة من السفر.

ولا أكاد أذكر الآن رحلة قطعها الرئيس مبارك وعاد إلى الوطن إلا عودته بعد ذلك بسنوات قليلة بعد محاولة الاغتيال التى تعرض لها الرئيس الراحل فى الطريق من المطار إلى مقر انعقاد القمة الإفريقية بالعاصمة الإثيوبية، حيث عاد الرئيس للمرة الثانية وقطع رحلته مثلما فعل فى زيارة الزلزال الذى ضرب مصر وما زالت مبانى الإيواء لمن شردتهم تلك الهزة الأرضية مسماة مساكن الزلزال.. هذه بعض ذكرياتى، ألوكها مع الزلزال الأخير الذى ضرب مناطق فى تركيا وسوريا، فقد تسمرت أمام التلفاز عدة أيام أتابع أحداث المشهد الحزين لضحايا ذلك الزلزال ومعجزاته، بدءًا من طفل رضيع وصولًا إلى سيدة مسنة، وكأنما يذكر الله سبحانه وتعالى مخلوقاته قائلًا: (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا).. ويبقى الزلزال فى ذاكرتى محتلًا زاوية لا يغيب عنها أبدًا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا» «إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon