بقلم - مصطفي الفقي
تابعت الحوار المسيحى - المسيحى من خلال زيارة البابا تواضروس الثانى بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لنظيره البابا فرانسيس بابا الفاتيكان والزعيم الروحى للكاثوليك فى العالم، لذلك أسعدنى أن التلاقى بين الكنيستين يضع كنيستنا الوطنية فى مكانها اللائق وسط الكنائس المسيحية فى عالمنا المعاصر، وتذكرت على الفور التصريح الذى أدلى به منذ فترة وجيزة الإمام الأكبر شيخ الأزهر د.أحمد الطيب عندما دعا إلى حوار إسلامى - إسلامى بين أصحاب المذاهب الإسلامية والفرق الدينية التى تقع تحت مظلة الإسلام الحنيف، وكيف أن الحاجة الماسة إلى ذلك الحوار جاءت فى وقت تلتقى فيه الديانات وتتعانق الرسالات فما بالنا بأتباع الديانة الواحدة، وأتذكر أن الظروف قادتنى منذ سنوات لمقابلة مع الرئيس الإيرانى الأسبق محمد خاتمى وتحدثنا يومها فى أحد فنادق القاهرة مع زيارة له بعد أن ترك المنصب، وأتذكر جيدًا أنه قال لى ولمن معى: إن ديننا واحد شيعة وسنة وربنا واحد ونبينا واحد، وقرآننا واحد، وقبلتنا فى الصلاة واحدة، والخلاف بيننا وبين أهل السنة هو خلاف تاريخى يتعلق بتقييم بعض الصحابة، وفى مقدمتهم السيدة عائشة رضى الله عنها، أى أنه لا يوجد خلاف حاد بين أهل السنة وأهل الشيعة، خصوصًا أن دعاة التقارب بين المذاهب الإسلامية، وفى مقدمتهم الشيخ محمود شلتوت الإمام الأكبر الأسبق قد أفتوا بجواز التعبد بالمذهب الشيعى الإثنى عشرى، ولذلك فإننا نرجو التركيز على جماعات التقريب بين المذاهب الإسلامية، وذلك لنبذ الفرقة والابتعاد عن خلافات غير مبررة. وأنا أتصور أن المسئول الأول عن توسيع هوة الخلاف بين المذهبين الرئيسيين فى الإسلام هو قوى غربية استعمارية تستهدف خدمة مصالحها بمنطق فرق تسد، وعندما زرت العراق عدة مرات كنت أحرص على زيارة الضريحين الكبيرين أولهما للإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان، والثانى للإمام موسى الكاظمى تجسيدًا لإيمانى بأن الخلافات المذهبية يجب ألا تؤثر أبدًا على الوفاق الدينى والتسامح المذهبى، وأتذكر أن الأستاذ نبيه برى رئيس مجلس النواب اللبنانى وهو عربى شيعى قال لى إن أحد مبعوثى الأزهر إلى الدولة اللبنانية كان يدرس له ولزملائه فى المدرسة - شيعة وسنة - ويحرص على أداء صلاة الجمعة معهم مرة فى مسجد سنى ومرة أخرى فى حسينية شيعية، رغم أن ذلك المعلم كان قادمًا من الأزهر الشريف أكبر مركز سنى فى العالم، وأنا أعلم أن هناك بعض المتطرفين من الشيعة يسبون بعض الصحابة - وهو أمر غير مقبول - ولكن القضاء عليه يأتى بمزيد من التفاهم مع دوام التواصل بين أهل المذهبين الكبيرين ويمكن أن يتم ذلك من خلال آليات عصرية تجذب المسلمين من كل المذاهب الصحيحة ليصبحوا فى النهاية تجسيدًا لأمة واحدة تؤمن بالتعايش المشترك وتسعى لتوحيد كلمة المسلمين والحذر الدائم من محاولات التفرقة بين صفوفهم، فقد جاملت بريطانيا السنة فى العراق عام 1920 وجامل الأمريكيون الشيعة فى العراق عام 2003 فى محاولة خبيثة لضرب الوحدة الوطنية هناك وتقسيم ذلك البلد العربى الأبى هو وغيره وفقًا للخلافات المذهبية والتقسيمات التى يراد بها زرع الاضطرابات، والنيل من وحدة المسلمين، وتحويل الأمر إلى مواقف ظاهرها مقبول وباطنها مرفوض.
إننى أدعو الإمام الأكبر وهو أستاذ للفلسفة الإسلامية وعالم جليل يزعجه دائمًا سب الصحابة من جانب بعض غلاة الشيعة، لذلك أطالب فضيلته بالدعوة إلى مؤتمر إسلامى جامع فى أحضان الأزهر الشريف ينطلق من الفتوى الشهيرة للإمام الراحل محمود شلتوت لكى يحيى تقاليد الإيمان الواحد والتعبدالمشترك، خصوصًا أننا فى مصر لا نعرف التمزق الطائفى إسلاميًا أو مسيحيًا ـ كما أن مصر هى الدولة التى عبر عليها المذهب الشيعى من شمال إفريقيا إلى المزارات المختلفة قبل أن يصل إلى حوزتى النجف وقم، وأنا شخصيًا أفتخر أننى صاحب العبارة الشهيرة (إن شعب مصر سنى المذهب شيعى الهوى)، ولنتذكر دائمًا أن جزءًا كبيرًا من طقوسنا الطبيعية مستمد من الحقبة الفاطمية فى حكم مصر التى تبلورت دائمًا فى حياتنا الاجتماعية ومناسبتنا الدينية، وعاداتنا على مدار العام الهجرى، لذلك فنحن أولى الناس بتأكيد وحدة العالم الإسلامى، والدعوة إلى الحوار بين أطرافه، فالأزهر الشريف يجمع ولا يفرق، والإسلام الحنيف دعوة للناس كافة، فمرحبًا بالحوار المسيحى - المسيحى فى الفاتيكان وتحية للحوار الإسلامى - الإسلامى فى صحن الأزهر قلعة الدين وحافظ اللغة وملاذ المؤمنين!