توقيت القاهرة المحلي 11:49:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفن لغة عالمية

  مصر اليوم -

الفن لغة عالمية

بقلم - مصطفى الفقي

الفن هو التعبير الإنسانى عن السعادة والتعاسة معًا، عن الفرح والحزن أيضًا، إنه لغة من لا لغة له، فالفنون، وفى مقدمتها الموسيقى، هي المعزوفة الحقيقية للحياة ولا يمكن تصور البشرية بدون الفن بأشكاله وأنواعه بدءًا من الفنون التشكيلية على جدران المعابد وحوائط المقابر وصولًا إلى صور عصر النهضة الأوروبى بكل ما حمله إلينا من تراث فنى رفيع، خصوصًا في مجال التصوير بالرسم كنقطة انطلاق واكبتها طفرات الموسيقى عندما سطعت أسماء مثل موزارت وفاجنر وبتهوفن، وغيرهم من أساطين الموسيقى الكلاسيكية الغربية، حتى قيل إن أدولف هتلر كان لا يشتعل حماسة ويتخذ قرارًا كبيرًا إلا بعد سماعه لمعزوفة موسيقية لفاجنر، ولماذا نذهب بعيدًا، فالأصوات البدائية التي تحاكى أصوات الحيوانات في الغابة كانت هي الإلهام الأول للإنسان البدائى لكى يوظف قدراته الجديدة بتعبير مستمد من أصوات الحيوان حتى أصبحت الموسيقى هي مصدر الإلهام وحافزة الخيال منذ أن بدأ الإنسان الأول يحاكى صيحات الغابة في فترة مبكرة من تاريخ الإنسان قبل أن يستأنس بعض الحيوانات أو ينصرف عن الصيد إلى الرعى، ويجب أن نسجل هنا ثلاث ملاحظات:

الأولى: إن موسيقى الشعوب تعبر عن شخصيتها وهوية من ينتمون إليها، فحتى السلام الملكى أو الجمهورى كلاهما تعبير عن شخصية الدولة وترجمة لروحها التي لا تغيب عن أهلها وتبقى مصدر فخر واعتزاز لهم في كل الأزمنة، والذين يستمعون إلى الأنغام التركية أو الفارسية بعد الاستماع إلى موشحات عربية أو حتى أندلسية سوف يكتشفون أنها تصدر عن ثقافات متجاورة وحضارات متقاربة، إن الموسيقى بحق هي التعبير الحقيقى عن وجدان الأمم ومشاعر الشعوب.

الثانية: إن الطرب العربى جاء على أنقاض حضارات قامت ثم انهارت بفعل عامل الزمن، فإذا كانت الموصل في شمال العراق، وحلب في شمال سوريا هما مصدر الطرب العربى الأصيل والموسيقى التي كانت دومًا دافعًا للرقى والسمو، فإننا نشير أيضًا إلى الموسيقى المصرية القديمة والأنغام الفرعونية، ويكفى أن نتأمل صور الأدوات الموسيقية على جدران المعابد القديمة ونقوش التماثيل منذ آلاف السنين، حتى إننا نسمع الآن عن محاولة إحياء الموسيقى الفرعونية، ولقد شهدت شخصيًا تجارب مخلصة في هذا المجال، وأتذكر أن صديقى الموسيقار الراحل محمد نوح كان معنيًا بإحياء تراث الأغنية الفرعونية حتى لو جلب ذلك عليه انتقادات حمقاء لا مبرر لها، فالفنون تتزاوج ومراحلها تتداخل، وهى أداة للتواصل وليست مبررًا للتقسيم والفُرقة مهما كانت الظروف.

الثالثة: إن الفن قاسم مشترك سواء أكان تعبيريًا أو تأثيريًا أو إيقاعيًا، وهو يعبر عن نبض الوجود وانفعالات الحياة في كل أدوارها ومراحل نضوجها، لذلك أضحت الفنون شديدة الالتصاق بالحياة اليومية ومفردات التواصل الثقافى والاجتماعى، خصوصًا في ظل التكنولوجيا الحديثة.

إن ما أريد أن أشير إليه اليوم هو أن كل محاولات الاتفاق على لغة عالمية واحدة تلتقى في النهاية إلى توافق كامل قد باءت بالفشل، فهناك من ظن أن اللغة الإنجليزية هي لغة العصر باعتبارها لغة العلوم البحتة في عصرنا، خصوصًا أن مخزون الكمبيوتر قد جرى تحميله أساسًا باللغة الإنجليزية، وليس يعنى ذلك تنصلًا من المسؤولية أو تجاوزًا للحقيقة، ولقد أتاحت لى زيارتى الأخيرة لأحد النوادى الكبرى في العاصمة المصرية أن ألتقى بعدد من الأصدقاء معظمهم من رفاق الطفولة زملاء الدراسة، وظللنا يومها نردد عبارات الزمن الجميل وطلب الرقى ونتذكر مسرحيات وأغانى ذلك العصر، إذ ليس هناك ما هو أصدق دلالة من انعكاس الفن على الحياة إلا الشعور بالولاء والانتماء في وقت واحد.

إن الذين يحاربون الفن إنما يحاربون الحياة، إن الذين يعادون الفنون بدعوى خروجها على النسق الأثير في كتابه الكريم لا يدركون أننا نؤمن بأن فكر الإنسان وخياله مجندان معًا لخدمة المخلوقات، فالإنسان سيدها، وهو خليفة الله في الأرض ومصدر الإلهام في الوجود وكاشف الطريق نحو المستقبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفن لغة عالمية الفن لغة عالمية



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 10:20 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
  مصر اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon